آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

بائعة ورق العنب

رضي منصور العسيف *

دخلتُ عليها غرفتها.. ألقيت عليها التحية: صباح الخير خالة أم حسن.. كيف حالك؟

أجابتني: صباح النور أستاذة فاطمة...

سألتها هل أحضرتِ ورق العنب... اليوم لدينا حفلة لتوديع زميلتنا الأستاذة سكينة...

أجابتني: عذرا منك أستاذة فاطمة... لم أحضر ورق العنب...

تعجبت من إجابتها وسألتها: لماذا لم تحضري ورق العنب هل أنت مريضة...

بقيت صامته..

نظرت لها وخاطبتها: ما بك..أخبريني...

وبعد إصرار مني لمعرفة السبب قالت: لقد طلبت مني المديرة أن لا أحضر ورق العنب فهذه مدرسة وليست متجر للأسر المنتجة.. وخوفاً على صحة الطالبات فهي تخشى أن يصبن بتسمم غذائي!!!

ثارت أعصابي وقلت: ما هذا التصرف.. لماذا تمنعك... وهي تعرف أن ظروفك صعبة.. هذه المديرة لا تعرف سوى النكد... لا تدع أحدًا منا يهنأ ويرتاح... حتى في الإجازة الأسبوعية تخترع لنا مهمات وتسميها مهمات إدارية... إنها مديرة «مزعجة»... سوف أتحدث معها لعلها تتفهم وضعك...

أوقفتني وقالت: اهدئي لا تنفعلي لا تتعبي نفسك فهي لا تسمع لأحد منكن!! أنا معكن هذه السنة فقط وسوف أتقاعد... لا أريد أن أكون سبباً في إثارة المشاكل بينكن...

تنهدت الخالة أم حسن وصارت تنظر لورقة تحملها..

سألتها ما هذه الورقة أيضا؟ هل أعطتك خطاب نقل أو خصم من راتبك؟!

أجابتني: هذا خطاب إنذار بقطع الكهرباء بسبب تأخرنا في تسديد فاتورة الكهرباء... غدا هو آخر يوم لسداد المتخلف...

طلبت منها: هل ممكن أن أرى هذه الورقة؟!

أعطتني الورقة...

في هذه الأثناء رن الجرس...

ارتبكت الخالة أم حسن وقالت: هذا جرس المديرة أعتقد أنها تريد كوبا من القهوة كعادتها... سوف أذهب لها..

قلت: هذه المديرة لا تعرف سوى الطلبات والخدمة... لم أرَ منها طيلة هذه السنوات سوى الأوامر وسرعة التنفيذ...

سارعت الخالة أم حسن وأعدت كوباً من القهوة وذهبت لغرفة المديرة...

عادت بعد خمس دقائق...

أعطيتها الورقة وقلت لها بسيطة.... لن يقطعوا عنكم الكهرباء... لا تقلقي...

رن جرس الحصة الأولى...

ودعتها قائلة: حفلتنا اليوم لن يكون لها طعم بدون ورق العنب...

توقفتُ عند الباب ونظرت لها وقلت: لا تحزني يا خالة... أحضري ورق العنب غداً... هذا الطلب للمعلمات وليس للطالبات...

في اليوم الثاني حضرتُ لغرفة الخالة أم حسن... وما إن وقعت عيناها عليّ حتى انهمرت دموعها على خديها وقالت: هل سددت فاتورة الكهرباء يا ابنتي؟! لماذا عملت ذلك؟! سوف أسدد لك المبلغ عند استلام الراتب...!

وضعت يدي على فمها وقلت: إياك أن تفكري بهذا المبلغ... أنت تستحقي أكثر من هذا... أنت إنسانة مكافحة...

أرجوك امسح دموعك... فأنت الخالة أم حسن التي لا نقبل لها أن تحزن في يوم ما...

لقد كنت أشاهدك وأنت تقدمي ورق العنب للطالبات ضعيفي الحال دون أن تأخذي منهم أي مبلغ... لقد شاهدتك عدة مرات أيام المطر وأنت تنظفين ملابس الطالبات...

في هذه الأثناء دخلت إحدى طالبات الصف الثاني الابتدائي وقالت: ماما أم حسن... لم أستطع يوم أمس أن أشتري منك ورق العنب اللذيذ... هل أستطيع أن أشتري الآن....

احتضنتها الخالة أم حسن وقالت: نعم تستطيعين... هاك خذي... هذا لك...

أجابت الطالبة بعفويتها: ولكن هذا صحن كبير ولا أملك المال الكافي...

قالت أم حسن: خذي ما يكفيك دون أي مبلغ... هذا هدية مني لك...

نظرتُ لها وقلت: ألم أقل لك أنك إنسانة...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عاتكه الشبيب
[ صفوى ]: 22 / 11 / 2021م - 7:47 م
جميلة القصة
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف