آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

العلم باختصار

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ... صدق الله العلي العظيم - الآية 111 سورة البقرة.

الادعاء أمر بسيط جدا. وكثيرون يصدقون الادعاءات بدون أدنى دليل، وهذا النوع من التصديق مبني على تعطيل العقول أو الثقة في غير محلها أو مجرد تقدير عاطفي أو وراثة عمياء ورثها الأولاد عن الآباء. ولكن القرآن يبين لنا بأن البرهان أمر ضروري للإثبات. عندك دليل، تفضل. ما عندك، ادعاؤك بحاجة إلى برهنة. خصوصا في هذا الزمن الذي طغى فيه العلم، البرهان مطلوب إذ لم تعد الناس أمية ولا تعي ما يدور حول العالم. ومن المؤسف أن ترى الكثير من الناس يعاملون الناس على أنهم مجرد أداة استقبال لكل ما يقال على المنصات المختلفة دون الحاجة لتمحيص. وهذا الأسلوب المتغطرس تجاه الناس لم يعد مقبولا، البتة. بل هذا دليل عن العجز في القدرة الإثبات.

باختصار، العلم المقبول في هذا الزمن هو ذلك التي يأتي بالدليل، وليس ذلك الذي يدعي. العلم يقوم على مناهج استقصائية مختلفة. كان الاستقراء أداة المنهج العلمي الأساسي منذ بداية القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. ولكن الاستقراء لم يعد كافيا. وعليه، تحول المنهج العلمي إلى اختبار الفرضيات، وذلك بين عامي 1850م و1960م. خلال هذه الفترة، أكّد الوضعيون المنطقيون على التحقق من الفرضيات. وكذلك نص كارل پوپر «Karl Popper» الذي لم يكن وضعيا على محاولة تفنيد الفرضيات والنظريات. هناك مواجهة بين نهج پوپر ونهج الوضعيين، ولكن لكل منهما مشكلاته عندما يُتَنَاول بصورة منفردة. العلم الحديث، والذي تغير منذ عام 1960م، يوجب الاستفادة من الطريقتين وكذلك تبرير العلم تجريبيا، وليس من خلال الحجج الفلسفية. عصريا، يتميز العلم بمزيج من الأفكار التي مرت على السابقين. إنه نهج عملي يركز على الكفاية التجريبية للفرضيات والنظريات ويركز على إيجاد ما ينجح في الممارسات العملية. كما أن العصر الحديث تأثر كثيرا بأفكار توماس كون «Thomas Kuhn» الذي تعتمد أسسها على نماذج محددة. بعده، اتخذ پول فييرابند «Paul Feyerabend» موقفا راديكاليا وجادل بأن على العلم ألا يحصر أدواته في صندوق معين وله أن يستخدم العديد من الأساليب المختلفة بشكل غير منتظم «ما يناسب الحالة س قد لا يناسب الحالة ص».

على الرغم من عدم وجود تعريف واحد بسيط للعلم ليميزه عن نقيضه، هناك تعريف عملي بسيط بأن العلم عبارة عن طريقة مفضلة لاكتساب المعرفة الموثوقة والصحيحة حول العالم الطبيعي، بما في ذلك طرق الحصول على هذه المعرفة العلمية بمعايير موزونة للحكم على كون المعرفة مبررة أو غير مبررة. كما أن هناك مجموعة من الحقائق والنظريات التي تشكل الوضع المعاصر للعلم. وهناك ثلاث افتراضات أساسية؛ وهي، «1» اتساق وانتظام الطبيعة، «2» الطبيعية شيء حقيقي، بما في ذلك تجاربنا عنها، «3» القدرة والقابلية على الاكتشاف بحيث يكون ممكنا اكتشاف الانتظام الطبيعية.

هناك ثلاث خصائص رئيسية للعلم؛ وهي، السيطرة أو التحكم «control»، التشغيلية «operationalism»، والقدرة على التكرار «replication». السيطرة أهم خاصية لأن من خلالها يمكن تحديد السبب، وبدونها يصعب تحديد الأسباب. مثلا، لقياس مدى تأثر الشخص بالمخدر، تعطي شخصين نفس الجرعة لترى كيف يتصرفان ويستجيبان لهذا المخدر، والسيطرة تكون في كمية المخدر وكتلة الشخص. أما العملية التشغيلية فعلى الباحثين الالتزام بالنموذج والإطار التي تم فيه القيام بالتجربة. مثلا، قياس درجة غليان الماء على نفس الظروف الطبيعية، آخذين في الحسبان الارتفاع عن سطح البحر وقياس الضغط الجوي. أما التكرار للوصول لنفس النتيجة فهو أمر مهم لإثبات الادعاء. مثلا، اصطدام سيارة ما بسرعة معينة وزاوية ثابتة تعطي في الأغلب نفس النتائج. أما القول بأن التداوي بماء الكنيسة المقدس صحيح، فعلينا أن نثبت ذلك من خلال التجربة وإعادة التجربة على العديد من الناس المختلفين، وليس على شخص متواطئ مع أرباب ذلك المعبد.

علينا أن نعرف بأن النظرية جزء مهم من العلم. وذلك لان الاعتماد على منطق الاكتشاف ينشئ نظريات يمكن استخلاصها وتطويرها لاحقا. أما حينما نحاول أن نبرر أمر ما «مثلا، ظروف تساقط الأمطار لأننا لا نستطيع أن نتحكم بها في الغالب» يتم اختبار هذه النظريات بشكل منهجي من خلال تجميع بيانات تجريبية متعددة ومن أماكن مختلفة لتحديد جودة هذه النظرية أو تلك. والعلم في حركة دؤوبة بين اكتشاف النظريات وإثباتها. وهذا يعني أن الاكتشاف قد يؤدي إلى نظرية أو أن النظرية تؤدي إلى اكتشاف، وفي كلتا الحالتين لابد من وجود برهان قوي يمكن إعادة تجربته للحصول على نفس النتائج.

ولابد أن تكون للعلماء صفات معينة ومنها الفضول «حب المعرفة»، والصبر، والموضوعية، والانفتاح على التغيير من خلال الاكتشاف والإثبات. وعليهم أن يكونوا قادرين على التنبؤ، والتفسير، والسيطرة على ظروف التجربة، والتأثير على نتائجها من خلال تغيير معطياتها.

أما العلوم الزائفة؛ فحدِّث ولا حرج، حيث يدعيها الكثير من الدجاجلة حول العالم. وهذه العلوم الزائفة عبارة عن معتقدات وممارسات تدّعي المكانة العلمية، ولكنها أبعد ما تكون عن العلم. ومن المستغرب أن العلوم الزائفة لا تزال رائجة ولها قبول وانتشار واسع؛ حينما في نفس الوقت، تجد الذين يؤمنون بهذه العلوم يشككون في العلوم الحقيقية التي أنفذت البشر إلى أقطار السماء. وهناك علامات تكشف هذه العلوم الزائفة ومنها:

• ابتكار فرضيات جديدة لتفنيد أخطاء هذا العلم الزائف. مثلا، ذاك الشخص لم يتعاف عندما شرب الماء المقدس لأن إيمانه ضعيف.

• الاستخدام الحصري لتأكيد وإعادة تفسير هذه الأخطاء كدعم إيجابي. مثلا، لا يستطيع الباحثون تجربة قضية الماء المقدس.

• غياب التصحيح الذاتي من خلال الاختبار المستمر والراصد لادعاءات هذا العلم. مثلا، عندما لم يتعاف ذلك المريض فإنه هو المتسبب في عدم الشفاء وليس الماء المقدس.

• عكس عبء الإثبات «يرمون عبء الإثبات على عاتق النقاد»؛ مثلا، تقول إن هذا الماء المقدس لا يفيد من يشربه، فيطلب إليك أن تثبت دحضك لهذا الدجل.

• الاعتماد المفرط على الشهادات الفردية والأدلة القصصية «السردية» التي تدعم الادعاء. قال فلان عن فلان بأنه رأي مريضا يشفى ببركات شرب الماء المقدس من المعبد الفلاني.

• استخدام لغة غامضة أو مربكة لجعل الادعاء يبدوا كما لو أنه نجا من التدقيق العلمي. hallelujah.

• عدم وجود أي صلة أو رابط بالتخصصات الأخرى التي تدرس القضايا المتعلقة بالمطالبة. مثلا، من يدعي أن ماءه المقدس يشفي المرضى لا علاقة له لا من بعيد أو من قريب بعلم الطب.

ومن هذه الخصائص نستطيع أن نكتشف العلوم الزائفة بسهولة. احذروا العلوم الزائفة فإن ظاهرها خداع وجوهرها كالح السواد. وفي الغالب، الدجالون القائمون على مثل هذه العلوم يستغلون الجهلة واليائسين. مثلا، أعطني 100 ألف دولار وأسوي لك عمل يخليك تنجبين.

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل