آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:23 م

مشاهد من رحيل الأمهات

ليلى الزاهر *

كانت أحلام تبكي بشدة وبإصرار الطفل الذي فقد شيئًا يريد استرداده، تعود لرشدها أحيانًا ثمّ ما تلبث أن تبدأ طورًا جديدا من البكاء.

سيلٌ هادر من الدموع، كنت أظن أنها سوف تلفظ أنفاسها الأخيرة على أثره، وسوف تحبس الفرح خلف سُجُفٍ لن يظهر للنور مطلقًا. تحدثت بنبرة لم أسمعها من قبل، قالت:

أقصر طريق لفقد السعادة هو غياب الأم تبدو الحياة وشْيا باهتًا على الهامش بدون أمي.

حلّقتُ بخوف شديد على أمي وأنا أدعو لها بطول البقاء بيننا، تذكرت الفتيات الصغيرات في الطابور المدرسي وهن يرددن:

"أمي غصون الزَّيزَفون أمي المنَاسك والمُتون

 أمي مواقيت الصلاة إذا تلاها العابدون

 أمي تباشير الصباح إذا رآها الخائفون

 أمي تباشير الغُروب إذا رآها الصائمون

ما بين صبح أو مساء أمي ضِياءٌ للعيون

أمي غِناء الطير في أعشاشها فوق الغصون"

عرفتُ أن لديّ ألف قلم يكتب عن وصف أمي، عن حبها السامق، وطقوس الحياة المختلفة التي اخترعها قاموسها.

جميع الأمهات مُتشابهات، في قلوبهن امتزج الحبّ بأشياء أخرى لأبنائهن، قلوبهن تلهج بالدعاء عندما تعلو أصوات أجراس الكنائس أو يُسمع نداء الحق من أعلى المآذن.

في كل لغات العالم تظهر كلماتُ عشقٍ لا حد لما فيها من الهُيام والغَرَام للأمهات خاصة.

وأيّ وَجْد يطرق أبواب فتاة صغيرة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها عندما خطّت بأناملها الساحرة وفكرها المُشرق بعض السطور تصف أمها فقالت:

أتعلمين أن أمي امرأة فاتنة هي لا تملك شعرًا أسودًا فاحما وإنما تملك قلبا ناصع البياض لا تمتلك ملابسا باهظة الثمن لكن لسانها أنيق، وابتسامتها فاخرة، بين صباح ومساء أراها تجاهد التعب من أجلنا، وتسقط حبات العرق على جبينها فتمسحها بسعادة.

جميع الأمهات متشبهات لكن أمي تختلف؛ فهي تُعطي لخيالها متنفسا جميلا فيصوغ أجمل مفردات الحب والتّوجيه والصدق فتشاطرني الآلام والآمال، وتسابقني نحو أهدافي، وتترجم ما يدور في كياني.

هل تعلمين أن الصغار يحبون أمهاتهم كثيرا وأن الكبار يتبركون بأردية صلاتهن؟

كنتُ حديثة العهد بالحياة عندما ضللتُ طريقي فكانت أمي خير مُرشدٍ لي، ومهّدت لي جميع طرق النّور التي سلكتها فيما بعد.

ليتها الآن بجانبي، لقد انطفأ مصباح بصيرتي، لقد أصبحت ثمرة ذابلة بعد أن ماتت أمي.