آخر تحديث: 14 / 5 / 2024م - 1:57 م

الكتب بين الإعارة والاستعارة - 1

يوسف أحمد الحسن *

ما بين الإعارة والاستعارة ضاعت عبر التاريخ البشري آلاف الكتب بل ملايينها تاركة في قلوب أصحابها حسرة لا تنتهي. إلا أنها في المقابل أفادت الكثيرين علما وأدبا ربما، كما زادت من أعداد كتب أناس على حساب آخرين.

ويتفاوت الناس في مواقفهم من إعارة الكتب ما بين مؤيد ومعارض ولكل نظرته ونظريته. فالمؤيد ينطلق في ذلك من حالة من الإيثار ومن رغبة في نشر العلم نابذا احتكاره، بل إن بعضهم يستمتع بهذا العمل رغم ما يكتنفه من مخاطر تتقاطع مع مخاطر إقراض المال. لكن الرغبة في أن يشاركه الناس في تذوقه للعلم والمعرفة أو الأدب تدفعه إلى تجاوز مخاطر إعارة كتبه. كما إنه يرى أن إعارته للكتاب تخلق جوا إيجابيا مشتركا حول الكتاب بينه وبين من أعاره إياه. وجاء في بعض كتب التاريخ أن عبدالوهاب بن جعفر الميداني الدمشقي كان لا يبخل بإعارة أي من كتبه إلا كتابا واحدا كان يخاف عليه فحصل أن احترقت كتبه كلها، فلجأ إلى من أعاره إياها حيث كانوا قد نسخوها فنسخها منهم، إلا الكتاب الذي لم يعره أحدا لم يَجِدْ منه نسخة. ومن أجمل ما قيل في ذلك من شعر:

إذا استعرت كتابي وانتفعت بهِ فاحذر وقيت الردى من أن تؤخرهُ

فاردده لي سالماً إني شغفت به لولا مخافة كتم العلم لم ترهُ

ونظرا لقيمة الكتب قديما بسبب النسخ القليلة المتوفرة منها استنساخا فإن بعضهم كان يعمد إلى طلب رهن لضمان استرجاع الكتب. وقيل في ذلك:

أَعِرِ الدَّفترَ للصاحِبِ بالرَّهْنِ الوثيق

إنَّه ليس قبيحاً أخذُ رَهْنٍ مِنْ صديق

أما المعارضون للإعارة فإنهم يتحفظون عن ذلك بسبب الخوف من فقدانها إلى الأبد. وفي ذلك قال مجهول «سأعيرك أي شيء لكن لا تطلب أن أعيرك كتابا! هل تصدق أني أعدهم دائماً». ومن ألطف ما قيل في ذلك ما قاله الروائي والناقد الفرنسي أناتول فرانس «1844-1924» والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1921م حين قال: لا تعر كتبَك للآخرين لأنّهم لن يرجعوها لك، الكتب التي في مكتبتِي هي التي أعارها لي الآخَرون!

ونقل عن القاضي أبو الوليد الكناني أنه كان إذا أعار كتابًا لأحد إنما يتركه عنده بعدد ورقاته أيامًا ثم لا يسامحه بعدها. ويقول: إن كنت أخذتَه للدرس والقراءة فلن يغلب أحدًا حفظُ ورقة في كل يوم، وإن أردته للنسخ فكذلك وإن لم يكن هذا ولا هذا فأنا أحوط بكتابي وأولى برفعه منك.

أجود بجل مالي لا أبالي - وأبخل عند مسألة الكتاب.