آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

أهمية التقليد للبقاء

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم:... «95» وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى? حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ? وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ «96»... صدق الله العلي العظيم - البقرة.

تأتي الكائنات للدنيا مزودة بفطرة مخزونة في جيناتها. وما تبقى تتعلمه ممن حولها. الكثير من الحيوانات والأطفال تتعلم بتقليد من حولها. وهذا التقليد ضروري للبقاء. وهناك حِيَلٌ في التقليد تستخدمها بعض الحيوانات للهروب من الضواري والجوارح وذلك بتشكيل جسدها «لونا وشكلا» مع البيئة المحيطة.

الطرائد والحيوانات الضعيفة تضطر للتقليد ما حيت لتبقى على قيد الحياة. أما الأسد والباز والفيل، وغيرهم من الحيوانات القوية، فإنها لا تضطر للتقليد كونها تحمل الثقة بالنفس ومعرفة قيمتها في ذاتها ومن حولها يعرف هذه القيمة أيضا. ولن تجد حيوانا يتحرش بأسد هائج أو ذكر فيل ضخم متهيج جنسيا.

الله كرم بني آدم وجعله فوق مخلوقات الأرض ذكاء وعقلا وقوة: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى? كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا «الإسراء - 70». وعلى الإنسان أن يرد نعمة التفضيل، لا بالتقليد الذي نهى عنه القرآن: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ? أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ «البقرة - 170». رد النعمة يكون بتفعيل هذه النعم وممارستها والاستفادة منها «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، لا تعطيلها وتخزينها. وقد نعت سبحانه الذين استفادوا من هذه النعمة، وإن قلوا: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَ?ئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَ?ئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «الزمر - 18».

الله سبحانه جعل الخيار بيد الإنسان «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» الذي قد يرى نفسه طريدة ضعيفة تريد الستر والبقاء، أو قد يرى نفسه أسدا ضاريا يأخذ ما يريد بالقوة، أو يكون إنسانا سويا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ولا يعيرون عقولهم لأحد.

وكما أسلفنا، التقليد ضروري للبقاء وليس للحياة. وذلك لأن البقاء شيء والحياة شيء آخر. البقاءُ يضطر الكائنَ أن يعيش في الظل بعيدا عن التفاعل المفيد والمثري، أو أن يكون إمعة متبعا لأسد قوي ذي حظوة ليسلم شر الآخرين. فهذا الذي يريد البقاء، يمر على هذه الدنيا مرور الكرام. وكونه على يقين بأنه لا يستطيع أن يقدم أو يؤخر، في هذه الدنيا أي شيء له قيمة، فهو يَكِلُ كُلَّ شيء على غيره، حتى التفكير. وهذا الضعيف المسكين يتمسكن أكثر للبشر ظنا منه أنه يحسن صنعا وأنه سيفوز بالآخرة بهذا التصرف غير الفعال. وهذا النوع المسكين سلبي في كل شيء، لكنه يتحول فجأة إلى كلب مسعور في حال رفض أحد ممن حوله المواظبة على هذه الحالة طمعا في البقاء. وبما أن هذا الفرد يشعر بالوحشة والضعف حينما يبدأ أولو الألباب بتطبيق أمر الله باستماع القول واتباع أحسنه، طلبا للهداية. وحينها، يسعى الخانع لتأليب الرأي العام ضد كل شخص يحاول أن يهتدي: وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ «الأعراف - 82».

التقليد أمر ينفع من يريد البقاء ويطمع في الحصول على الجائزة الكبرى دون أن يجهد نفسه أو يستخدم جزءا من دماغه «ذلك الدماغ الذي مَيّز اللهُ به الإنسانَ على سواه»، ولكنه عمل مشين لمن يريد الحياة ويجهد في إعمارها ليحقق خلافة الله المنشودة على الأرض: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ «البقرة - 30».

الذين سعوا لخلافة الله في الأرض نفذوا من أقطار السماء، وعالجوا الأمراض المستعصية، وطبعوا القلوب والأعضاء المهمة لإعادة زراعتها في جسد الإنسان المريض، وعرفوا جنس الجنين في بطن أمه، بل وعرفوا أجله ونوعية الأمراض التي ستصيبه من خلال دراسة جينته. هؤلاء هم من حققوا خلافة الله على الأرض، وليس أولئك الذين يعيشون في الظل؛ لا يحركون ساكنا، ويطمعون بأن يكونوا في أعلى عليين بتعطيل عجلة الزمن وشل حركة الإنسان وحبسه بقيود اختارها أجدادهم لأنفسهم، وهم في الواقع لم يسعوا قدر أنملة لتحقيق رهان الله سبحانه على مشروعه الرئيسي؛ الإنسان.

أيها الإنسان الكريم، اِسْعَ أن تكون من أولي الألباب الذين هداهم الله للاستماع للقول واتباع أحسنه. ولا تكن إمعة ومقلدا سلبيا لا تكش ولا تنش، وتكون مجرد بيدق في رقعة شطرنج يحركها الآخرون كما يشاءون ويضحون بك في أي مرحلة يشعرون فيها بالخطر على أنفسهم.

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل