آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

«السياسات.. هي قطعاً أهم ممكنات ريادة الأعمال!»

الدكتور مصطفى المزعل * صحيفة مال الإلكترونية

تطرقت في مقالي السابق والمنشور في صحيفة مال بعنوان ”منظومة ريادة الأعمال“ لنموذج قياس فاعلية منظومة ريادة الأعمال المُقترح في رسالتي للدكتوراه، والذي يتكون من خمسة عناصر رئيسية هي: السياسات، التمويل المالي، الثقافة والدعم، رأس المال البشري، السوق، في هذا المقال سأبدأ الإجابة عن أحد أهم الأسئلة البحثية والمرتبطة بدراسة منظومات ريادة الأعمال وقياس فاعليتها، هذا السؤال هو: ما هي أهم العناصر المؤثرة في فاعلية منظومة ريادة الأعمال؟ بصيغة أخرى، ما هو ترتيبها في الأهمية؟ الإجابة على هذا السؤال ضرورية لبناء نموذج قياس وتقييم للمنظومة.

في بداية فترة تواصلي مع خبراء ريادة الأعمال المشاركين في البحث، تحدّثت مع أحد الخبراء والمختصين بالسياسات والتشريعات الريادية، فكانت وجهة نظره أن السياسات هي قطعاً أهم ممكنات ريادة الأعمال، هذا اليقين في حديث الخبير، جاء بسبب انغماس الرجل في دوامة التشريعات ورؤيته المقربة لكل شاردة وواردة في هذا النطاق، غير أن ما قاله هو رأي فردي، وإن جاء من خبرة طويلة في المجال، وبنفس النهج قد يقول الدكتور الجامعي أن التعليم هو أهم العناصر، أو يقول المستثمر الملائكي، أن التمويل المالي هو الأهم، فكلٌّ ينظر من منظاره الخاص، من هنا تأتي أهمية اتباع نهج علمي للإجابة على هذا السؤال الذي قد تختلف إجابته باختلاف المنهجيات المُتّبعة.

عنصر السياسات المقصود هنا، هو مجموعة الأنظمة والتشريعات التي تحكم النشاطات الريادية، ويندرج تحت هذا العنصر أربعة عناصر فرعية لن أتطرق لها الآن، فالغاية هي المظلة الكبرى للسياسات فقط، وهنا يأتي دور المُشرِّعين في سَنِّ تشريعات، وصياغة استراتيجيات من شأنها أن تدفع بنمو المنظومة، وتحريك دفّة الاقتصاد، وعند العمل على هذه السياسات، لابد من وضع ثلاثة أمور في الحسبان:

1 - يجب أن تكون السياسات مرنة وقابلة للتغيير، لأن المنظومات الريادية متغيرة وتتطور باستمرار.

2 - كل منظومة تحتاج لسياسات مختلفة خاصة تنسجم مع بيئتها، فالتقليد الأعمى للنماذج الناجحة كوادي السيليكون على سبيل المثال هو سياسة خاطئة، حيث لا ينبغي السعي لنقل تجارب الآخرين الناجحة كما هي.

3 - علينا التمييز بين السياسات الداعمة للمؤسسات التجارية الصغيرة، والسياسات الداعمة لريادة الأعمال، لأنهما مفهومان مختلفان، فالسياسات الداعمة للمؤسسات التجارية الصغير تهدف لزيادة عدد المؤسسات والشركات الناشئة بغض النظر عن معدل نموها ونوعيتها، على الجانب الآخر، السياسات الداعمة لريادة الأعمال تركز على دعم الشركات الناشئة ذات القدرة العالية على النمو والتوسع والابتكار.

4 - تلعب الحكومات دوراً مهما في الترويج ودعم الأفراد ليصبحوا روّاد أعمال، ولكن هذا الدور يجب ألّا يتعدى حدود الدعم والتوجيه ليصل لقيادة القطاع، فالحكومات عليها أن تكون مُمكّنة وليست لاعبة في هذا الميدان.

مع كل هذه الأهمية للسياسات، إلّا أنّ نتيجة البحث جاءت مفاجئة ومعاكسة لرأي الخبير الذي أشرت إليه في بداية المقال، إذ احتلّت السياسات المرتبة الخامسة كأقل عناصر منظومة ريادة الأعمال أهمية وبنسبة %14,4، وهذا لا يعنى أنها غير مهمة، فالسياسات ضرورية وضمن العناصر الأساسية المكونة للمنظومة، غير أنها تأتي كأقل العناصر الخمسة أهمية بفارق %1,8 عن العنصر الرابع الذي يسبقه في التصنيف، والذي سيكون محور المقال القادم بإذن الله.

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية