آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

أحسنوا الظن

رضي منصور العسيف *

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات/12

عادت من الكلية... توجهت ناحية المطبخ... ألقت التحية على والدتها... سألتها: كيف هي صحتك الآن يا أمي؟

أجابتها: الحمد لله أفضل من السابق...

قالت: هل اتصلت بك خالتي لتخبرك عن خطبة ابنتها... لقد سمعتُ البنات اليوم يتحدثن عن الموضوع...

صمتت الأم لحظات...

أكملت البنت حديثها: بصراحة يا أمي هل هذا يعقل أن نكون آخر من يسمع؟! ألستِ أنتِ الأخت الكبرى؟ هكذا هم عائلة خالتي دائماً «يتجاهلوننا»... ربما لأننا لسنا في مقامهم...

نظرت إليها الأم وقالت: استغفر الله... سامحني يا رب...

سألتها البنت: وما مناسبة الاستغفار يا أمي...

قالت الأم: لقد اتصلت خالتك منذ قليل وقالت أن ليلة الغد هي ليلة خطوبة ابنتها...

لم أدعها تكمل حديثها... بدأت أشكو لها هذا التجاهل...

بعد هذا العتاب قالت خالتك: لقد اتصلت بك منذ أسبوعين إلا أنك لم تردي على المكالمة... وقد أرسلت إليك رسالة أطمئن فيها عن صحتك وأخبرك بخطبة ابنتي....

قالت البنت: هذه تبريرات...

قالت الأم لا يا ابنتي فقد راجعت سجل المكالمات فوجدت عدة اتصالات منها، وراجعت محادثات الواتساب فوجدت رسالتها... الخطأ مني لأني لا أتابع الاتصالات الواردة عليّ... نعم يا ابنتي علينا أن نحسن الظن بالآخرين...

كثيرة هي القصص المشابهة لهذه القصة والتي تتكرر في مجتمعنا، فسوء الظن سبب العداوات وهو بمثابة إشعال الكبريت في كومة من القش، حيث يؤدي ذلك إلى اشتعال نار قد تقضي عليه وعلى من حوله. ف ”سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور“ [1] . كما قال الإمام علي .

مساوئ سوء الظن

فساد العبادة

يمثّل سوء الظن عنصراً هدّاماً لإيمان الشخص، ويبعده عن الله تعالى، فهو من ”أكبر الكبائر سوء الظن بالله. كما ورد عن رسول الله ﷺ مضافاً إلى ذلك، فإنّ سوء الظن بالوعود الإلهية يتسبّب في فساد العبادة وحبط العمل، لأنّه يقتل في الإنسان روح الإخلاص وصفاء القلب، وقد ورد عن الإمام علي :“ إِيِّاكَ أَنْ تُسِيءَ الظّنَّ، فَإنَّ سُوءَ الظّنِّ يُفسِدُ العِبادَةَ ". وعنه : لا دين لمسئ الظن. وعنه : لا إيمان مع سوء الظن [2] .

ضعف العلاقات الاجتماعية

من آثار سوء الظن ضعف العلاقات الاجتماعية، حيث انقطاع الصداقات، وظهور الخلافات، وضعف الثقة بين أفراد المجتمع، يقول الإمام علي : من غلب عليه سوء الظن لم يترك بينه وبين خليل صلحا. وعنه : شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله [3] .

لكي تتغلب على سوء الظن عليك أن:

1. تصارع نزاعات النفس التي تزين لك الظنون، وتملأ قلبك شك في الآخرين، يقول الإمام علي : إياك أن تغلبك نفسك على ما تظن ولا تغلبها على ما تستيقن، فإن ذلك من أعظم الشر [4] .

2. عدم التحقيق والتدقيق في تصرفات الآخرين كما ورد عن رسول الله ﷺ: ”إذا ظننتم فلا تحققوا“ [5] .

3. ابتعد عن مصادقة الأشرار، مثيري الظن، ضعيفي الإيمان حيث أن ”مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار“ [6] . كما ورد عن الإمام علي .

4. ضرورة التجنب عما يوجب سوء الظن والابتعاد عن مواطن التهم كما قال الإمام علي : من وقف نفسه موضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن [7] .

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1786
[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1786
[3]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1787
[4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1785
[5]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1786
[6]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1787
[7]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1786
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف