آخر تحديث: 15 / 5 / 2024م - 4:59 م

تحول الحب والكراهية

كاظم الشبيب

القيم الثابتة تجعل الحب ثابت تجاهها ما دام الليل والنهار. والصفات السيئة تبقى مكروهة ما بقى الزمان والمكان والإنسان. فلا تتغير الثوابت، فالصدق صدق والكذب كذب. نحب ونكره وفق تلك الثوابت مهما بلغت حدة المنعطفات التي يمر بها الفرد أو المجتمع. فلا يتغير الحب أو تتغير الكراهية تجاه من نحب ونكره لمجرد تغير هويته. على سبيل المثال: فليس هناك حقوق إنسان لأوروبا، وحقوق إنسان لإفريقيا، أو آسيا أو العالم الإسلامي. ما من شعب في الأرض وجد لأجل الاستعباد، أو لأجل الطغيان، أو الاستبداد، أو الجهل، أو الظلامية، ولا لأجل استعباد النساء. وكلما أهملنا هذه الحقيقة الأساسية نخون الإنسانية ونخون أنفسنا، كما يقول الكاتب أمين معلوف. [1] 

فعند المنعطفات التاريخية التي يطغى فيها الصراع بين طرفين، أحدهما متقدم، وزاحف على آخر متهالك، يغلب فيها الفرز بين الهويات على أهل الهويتين المتصارعتين، بل حتى على كل الهويات الفرعية والصغرى وأهلها. على سبيل المثال: في لحظة التحول التاريخي من المرحلة الأموية إلى المرحلة العباسية، في معمعة الصراع وذروته، أفرز الزمن، وكذلك فعل المؤرخون بعد ذلك، قسموا الناس إلى هذا أموي وذاك عباسي، هذا أموي الهوى وذاك عباسي الهوى. حينها، وفق الطبيعة البشرية للمجتمعات، يتقاسم الناس الحب والكراهية فيما بينهم.

كذلك الحال بعد عقود من الزمن عندما تم فرز الأمة الإسلامية والعربية، في لحظة التحول، بين عثماني وأتاتوركي. في ظل الدولة العثمانية، لم تكن ثمة حاجة لفكرة الهوية الوطنية، فقد كان معظم سكان الأقاليم العربية يعرفون أنفسهم بأنهم مسلمون. مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بدأت شعوب المنطقة تتطلع إلى إعادة بناء شخصيتها الوطنية. [2]  مما ساهم في تتالي عمليات الفرز بين هويات الناس.

يجري ذات الأمر، فرز الناس بين الحب والكراهية، بين أهل الهويات عند وقوع الصراعات الثنائية بأوجهها المتنوعة، مما يجعل البعض يفرز الآخرين بين الحب والكراهية، مثل الصراع بين الحداثة والتقليدية، صراع الأخباريين والأصوليين، المتشددين والمعتدلين، فتتأثر مشاعر الحب والكراهية، حينها، بمجموعة مؤثرات، منها: الميول الشخصية، المصالح الآنية للفرد والمجتمع، القرب والبعد من أطراف الصراع، مقدار الثابت والمتغير في طبيعة القيم السائدة. ومن خلال هذه الزاوية وغيرها يرى الكاتب أمين معلوف بأن بعض الهويات فعلاً قاتلة. وفي المقطع المرفق إفادة حول كتابه ”الهويات القاتلة“:

 

[1]  ص 64 اختلال العالم.

[2]  بحث بعنوان: أزمة الهوية للمرأة الفلسطينية ما بين اليسارية والأصولية، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية «16»، سنة 26، عدد 26، ص 66.