آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 1:56 ص

صورة الزعيم السياسي عند المتلقي العربي

محمد الحرز * صحيفة اليوم

صورة البطل وتأثيرها الكبير على الجمهور العربي، سواء جاءت هذه الصورة سلبًا أو إيجابًا، لا سيما ما يخص السياسة منها بالذات، ما زالت مفاعيلها حاضرة بقوة، منذ صورة هتلر ثم جمال عبدالناصر، وأخيرا صدام حسين.

استدعى هذه الصورة في ذهني، الهجوم الروسي على أراضي أوكرانيا، حيث على إثرها تحولت صورة الرئيس بوتين إلى صورة البطل، الذي لا يشق له غبار، الواقف في وجه الإمبريالية الأمريكية، بكل صلافتها وعنجهيتها.

حسنا، لا يمكن لوم عامة الناس على التعاطف الذي يبدونه لشخص مثل بوتين باعتباره تحدى الغطرسة الأمريكية الأوروبية، فمثل هذا التعاطف مفهوم ومبرر عند شريحة واسعة عند الجمهور العربي، والأسباب عديدة لا سبيل إلى ذكرها في هذا المقال.

لكن دعوني أركز فيما تبقى من مساحة على تحليل الصورة السياسية عند المتلقي العربي غير المختص، وكمثال على حالة بوتين بعيدا عن شخصه وما يتعلق بها من صفات.

في تاريخه الحديث لم يتح للعربي أن يمارس السياسة وفق متطلبات الدولة الحديثة المبنية على الديمقراطية والحرية والمسؤولية، وكان جلّ ما أنتجته الممارسة السياسية العربية هو خليط من اليسار ممزوج بالاستبداد من جانب، وخليط من القومية ممزوج بصناعة الديكتاتوريات من جانب آخر، ناهيك عن الأسلاموية السياسية، التي كرست الصورة المثالية لما ينبغي عليه أن تكون السياسة في علاقتها بالإسلام وتقاليده.

لكنهم في النهاية كانوا يشتركون في توظيف الدين واستثماره في كسب عواطف الوجدان العربي، الذي يشده عصب الانتماء العربي الإسلامي، وكانت صورة البطل المنقذ المترحلة عبر التاريخ هي صورة السياسي عند عامة الناس.

فمنظر الحشود المصرية، التي خرجت للتعبير عن رفضها لتنحي الرئيس جمال عبدالناصر بعد هزيمة 67 ليست سوى دلالة من ضمن دلالات كثيرة تؤكد أن الممارسة السياسية في نظر الكثيرين هي استعادة لمهام شيخ القبيلة، الذي يتصف بالحكمة والشخصية الكاريزمية وقوة الرأي وسداده.

فشخصية الزعيم تحمل الصفات نفسها سواء كان سياسيا أو شيخ قبيلة أو رجل دين، دائما وأبدًا هو الرجل الذي يقود الناس للخلاص من أزماتها.

لذلك لا يمكن إزاحة هذه الصورة حينما نرى شكل الاصطفاف، الذي يعبر عنه الناس في عموم البلاد العربية عن الأحداث، التي تجري في العالم حتى إن كانت لا تمسهم ظاهريا لا من قريب أو بعيد.

جاء صدام بكل مساوئه وتسلطه وبطشه، وأصبح يمتلك مشروعيته عند شريحة واسعة من الناس بمجرد ما أصبح يعلن عداوته جهارا للغرب الأمريكي، ومتصديا لعدوانه 2003.

وعليه أصبح التصدي للعدوان ينفي ما قبله من مساوئ، فيحق للزعيم البطل ما لا يحق لغيره من سائر الناس، فهو الذي يتصدى للباطل ويرفع الظلم ويعيد نصاب الحق إلى أهله.

هذي هي اللغة، التي تقوم عليها نظرة عامة الناس للسياسة، وهي لغة موروثة، لا تملك في نظرتها للسياسة سوى ثنائية حادة: الحق مقابل الباطل، العدل مقابل الظلم، وهي نظرة اختزالية غير منطقية وغير عقلانية ومغلفة بانفعال عاطفي.

فبعض المتعاطفين مع بوتين الجزء الأكبر منهم يستدعون في أذهانهم الصورة ذاتها لصدام أو صورة غيره من زعماء التاريخ، ويسقطون صفات هذا على ذاك.

وكأن السياسة في نظرهم هي تكرار الصور رغم اختلاف الشخوص دون الاعتبار لا لتحولات الزمان ولا لخصوصيات المجتمعات أو الجغرافيا والتاريخ.

اختزال أمريكا والغرب الأوروبي في سلوكهم السياسي العدائي الاستكباري فقط، هو أكبر دليل على ما تشكله الصورة السياسية كما ألمحنا إليها عند الكثير من الناس، فلا أمريكا هي الوجه السياسي فقط، ولا أوروبا هي كذلك. فمَن صنعوا الحضارة الحديثة بجميع قيمها، التي انبنى عليها القانون والنظام الدولي، لا يمكن أن يؤخذوا بجريرة أبنائهم، الذين شوهوا الكثير من قيمة الحداثة ومكتسباتها.