آخر تحديث: 15 / 5 / 2024م - 8:18 ص

ذاكرة الحب وذاكرة الكراهية

كاظم الشبيب

تلعب الذاكرة، الفردية أو الجماعية، دوراً حساساً، وفي بعض الأحايين دوراً حاسماً، في إثارة مشاعر الحب أو تحفيز مشاعر الكراهية. فذاكرة الحب تحفزنا على العشق والذوبان لمن نحب، وتحفزنا للتفاني لهوياتنا، وتصنع الطموح فينا لتطوير محبتنا للآخرين فنبدع بمبادرات تنفعنا وتخدم أهل هويتنا. ولذاكرة الحب أمثلة كثيرة، منها: ذكريات التعارف بمن أحببنا والاحتفالات المصاحبة للخطوبة والزواج وإنجاب الأولاد، ذكريات التخرج من الجامعة والحصول على الوظيفة وتأثرنا باستلامنا لراتبنا الأول، الذكريات الجماعية عند الانتصارات أو انتهاء الأزمات الكبيرة، بل حتى فرح الشعوب بفوز منتخباتها الوطنية في المباريات الرياضية.

بينما تقوم ذاكرة الكراهية، على مستوى العلاقات الثنائية بين الأفراد أو على مستوى العلاقات الجماعية بين أهل الهويات المختلفة، بدور خطير نحو إشعال الكراهية ضد هويات معينة، كالذاكرة السياسية التي تعيد وتكرر المعاناة على نفسها وأهلها. على سبيل المثال: ذكريات الاستعمار وقسوته ضد الشعوب، ذكريات الحصار الاقتصادي لهذا البلد أو ذاك، ذكريات الحكم العنصري في جنوب أفريقيا وفلسطين، ذكريات القتلى والمفقودين في الحروب، ذكريات الاعتقالات والتمييز الطائفي، إلخ. تلك الذكريات، بلا أدنى شك، عندما يتم تكرار تذكرها أو التذكير بها، سوف تُكرس المعاناة النفسية للفرد، وتُعزز الشعور بالمعاناة الجماعية للناس، وتُساهم في انسداد الأفق السياسي للمجتمعات، وتُكرس الإحساس بالإحباط في الأمم.

من حسن حظ المرء، على مستوى الذاكرة الفردية أو الذاكرة الجماعية، أن يمتلك ذاكرة قوية للذكريات الجميلة والسعيدة. لكن من سوء حظ المرء أن تكون قوة ذاكرته مترافقة مع تاريخ من الكراهيات المتتالية، وهنا يكون النسيان نعمة. وقد أشار الفيلسوف الألماني شوبنهاور لذلك بقوله: إن المعاناة مستمدة من حقيقة أننا نعيش من خلال ”الذاكرة والتوقع“. وبعبارة أخرى، تحدث وساطة للمعاناة من خلال الخيال: الصور والمثل العليا التي تشكل ذكرياتنا وتوقعاتنا وأشواقنا. [1] 

في المقطعين المرفقين نظرة للموضوع من زاويتين مختلفتين: كيف تتحرر من الذكريات الموجعة، د. خالد المنيف

هل كل ذكريتنا حقيقية؟

 

[1]  تجربة الحب في زمن الحداثة، إيفا إيلوز، ترجمة خالد حافظي، مؤسسة صفحة 7 للتوزيع والنشر، الجبيل، السعودية. ص 37، بتصرف