آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 9:07 م

فيلم «كودا» الحائز على جائزة أوسكار 2022

محمد الحرز * صحيفة اليوم

فيلم «كودا coda» الحائز على جائزة الأوسكار لهذا العام 2022 كأفضل فيلم طويل، حيث عنوان الفيلم مقتبس من الأحرف الأولى للعبارة الإنجليزية «child of deaf adult» والذي يعني أبناء البالغين من الصم.

يحكي قصة فتاة مراهقة «روبي» قامت بدورها الممثلة البريطانية إيمليا جونز التي تعيش مع أسرة مكونة من الأب الذي قام بدوره «تروي كوتسور» وهو الأصم منذ الولادة، وقد حصل على أوسكار أفضل ممثل في دور مساعد، بينما قامت زوجته بدور الأم وهي الممثلة الصماء «مارلي ماتلين»، وقام بدور الابن الممثل الأصم «دانييل ديورانت».

الفتاة هي الوحيدة من بين الأسرة القادرة على السمع، لذلك يصبح دورها محوريا في علاقة الأسرة بالخارج المحيط ولا يمكن الاستغناء عن هذا الدور الذي ينهض بوظيفة المترجم للأسرة مع الآخرين، فالفيلم في إطار كوميدي يلعب على ما تنتجه هذه العلاقة من مواقف وأحداث معبرة إنسانيا بالدرجة الأولى.

يضعنا الفيلم أمام تعارضات حياتية يخلقها وضع الأسرة الاستثنائي، فحيرة الفتاة بين طموحها وشغفها بالموسيقى والغناء وموهبتها الصوتية من جهة، وبين التزاماتها العائلية من جهة أخرى، يعطي ملمحا من هذه التعارضات، فالذهاب وراء طموحها سيبعدها عن الأسرة التي تعتمد عليها في معيشتها اليومية، فالأسرة تمتهن صيد الأسماك، وهو العمل الوحيد الذي يستطيعون ممارسته، من خلال مركب الصيد الذي يملكونه، وهي الوسيط الذي تقوم بالتفاهم مع خفر السواحل أثناء الإبحار، ومع الرجل الذي يشتري منهم السمك، فإذا ما ذهبت والتحقت بالجامعة لدراسة الموسيقى، فستضطر الأسرة للتوقف عن الصيد، وبالتالي عن العمل.

وأمام هذه المعضلة من حيرة الفتاة وأمام ضغط الأم ويأس الأب، تختار الوقوف في صف العائلة، وتحاول تأجيل طموحها بينما اللافت للنظر موقف الابن الذي يصر على أن تحقق الابنة «روبي» رغبتها بالالتحاق بالجامعة. لكن ليس من باب الدعم لأخته فقط، وإنما من باب إحساسه بالدور الهامشي الذي يمثله داخل الأسرة مقارنة بأخته، رغم أنه الأكبر منها سنا.

هذه المفارقات في الشخصيات ودوافعها تعطي الفيلم عمقا إنسانيا، له علاقة بحالات الصم والمشاكل التي تواجههم في الحياة.

الفيلم ينتهي بموافقة الأسرة ودعمها للفتاة «روبي» في اختبار القبول للجامعة كي تلتحق بطموحها وشغفها بعد أن تدربت مع أستاذ الموسيقى في مدرستها الثانوية المؤمن بموهبتها.

والسؤال الذي من خلال الإجابة عنه يشكل بالنسبة لي قمة الحضور الإنساني عميق الدلالة التي تصنعها الموسيقى والغناء في تمتين العلاقات الأسرية، هو: كيف عالج الفيلم الحافز الذي دفع الأب كونه «أصم» من حالة اللامبالاة - وليس الرفض - لدعم موهبة ابنته إلى حالة الحماسة والوقوف معها؟

ثمة لقطتان في الفيلم تؤكدان هذا التحول، وبالتالي المعالجة.

الأولى حينما تظهر فرقة كورال المدرسة في الحفل الختامي على المسرح أمام عوائلهم، يؤدون مقطوعتهم الموسيقية، والكل منصت ومتفاعل مع الأداء، بيد أن الكاميرا تركز على الأبوين الأصمين، فالأب مشغول بتعديل أزرار قميصه بينما الأم تلاحظ ذلك وتنهره، ولتعميق هذا الانشغال العفوي، تصبح الكاميرا في صف الأبوين وتساندهما، وذلك بقطع الصوت عن المشاهد، وكأن الفيلم يقول إن التواصل مع الآخرين معدوم بالنسبة للوالدين في غياب الابنة.

هنا الإحساس الجسدي الموصول بالروحي هو الذي خلق التواصل بين الأب وابنته عن طريق الموسيقى والغناء، وبالتالي أدى إلى صناعة الحافز برؤية جمالية قام بها الممثلون والمخرج والسيناريو بامتياز.