آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

الدين والعلم ومعنى الحياة

محمد حسين آل هويدي *

تشترك الديانات الكبيرة في الطابع الإنساني لتصورها للإله، ولايرتفع فوق هذا المستوى من الإدراك إلا الأفراد ذوي المواهب النادرة.

كانت بداية التجربة الدينية البشرية قائمة على ديانة الخوف «الخوف من الجوع والوحوش البرية، والمرض، ومن الموت».

ثم تطورت إلى ديانة الأخلاق حيث الدوافع الإجتماعية والأخلاقية لبلورة الدين.

إن التصور الإجتماعي والأخلاقي للإله هو أن ذلك الإله يرعانا ويحمينا وهو الذي يكافئ ويعاقب ويحفظ أرواح الموتى.

ولكن هناك مرحلة ثالثة من التجربة الدينية وسأسميها «الشعور الديني الكوني».

من الصعب جدا توضيح هذا الشعور لمن لم يجربه إطلاقا.

"يشعر الفرد من ناحية بعبث رغبات البشر وأهداف الإنسان، لكنه من ناحية أخرى يشعر بسمو النظام الرائع الذي يكشف عن نفسه في الطبيعة وفي عالم الفكر". *

وهنا يبدو للفرد أن الوجود نوعا من أنواع السجن، ويود أن يفهم الكون ككل واحد له مغزى وغاية.

ولكن كيف يمكن أن ينتقل هذا الشعور الديني الكوني من فرد إلى آخر إذا كان لايحتوي على فكرة محددة عن الإله وعن اللاهوت؟؟!!

في رأيي، إن أهم وظائف العلم حاليا هو إيقاظ هذا الشعور وابقائه حيا لكل من يستطيعون الإحساس به.

ومن هنا نجد أنه على مر العصور أن الذين تشبعوا بأعلى درجات هذا الشعور الديني الكوني، اعتبرهم معاصريهم بأنهم ملحدين زنادقة، وفي أحيان أخرى اعتبروهم أيضا من القديسين ومنهم أنبياء وعلماء وفلاسفة ومفكرين...!!

إنني أؤكد بأن الشعور الديني الكوني هو من أنبل وأقوى الدوافع التي تدفع الإنسان للبحث العلمي، فما أروع الإيمان بمعقولية الكون، وما أحر اشتياقنا لفهم ذلك العقل الذي يشير إليه ذلك الإيمان. هذا الإشتياق هو الذي دفع كبلر، ونيوتن ومنحهم تلك الطاقة الجبارة التي حفزتهم على البحث بشكل منفرد لعدة أعوام في تحليل مبادئ الميكانيكا السماوية.

إن الغموض هو أروع مايمكن للمرء أن يجربه في الحياة. إنه الإحساس الصافي العميق الذي ينبع منه كل علم وفن حقيقيين.

من لم يجرب هذا الإحساس، ولم يعد يشعر بالدهشة والتعجب، فهو كالميت أو كالشمعة التي انطفأ لهيبها.

إن تجربة الغموض، وإن امتزجت بالخوف، فهي منبع الدين.

إن التدين الحقيقي هو الشعور بأنه يوجد وراء أي شيئ يمكن الشعور به، شيئ لاتستطيع عقولنا استيعابه ولا ندرك جماله وعظمته إلا بشكل بدائي.

بهذا المعنى فقط، أنا رجل متدين عميق.

يكفيني أن أستمتع بهذا الغموض الذي يكتنف سر الخلود، وبالهيكل الرائع لهذا الكون، الذي لانستطيع ادراكه إلا إدراكا مبهما، وأن أعمل قدر طاقتي لفهم ولو جزء متناهي في الصغر من هذا الذكاء المتجلي في الطبيعة.

* آلبرت آينشتاين.. من كتابه «حول الدين والعلم ومعنى الحياة».
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل