آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 1:36 ص

فنون التعامل مع الشخصيات الصعبة

في كل مكان وزمان يلتقي الانسان بشخصيات صعبة المراس احيانا يكونوا زملاء عمل أو احيانا يكونوا بعض الاصدقاء واحيانا أخرى يكونوا جزء من من الاقارب أو بعض الجيران والمعارف.

والانسان الذكي عاطفياً واجتماعياً هو الذي يملك فنون التعامل مع هذه الشخصيات الصعبة التي قد تتسم بالعجرفة أو العناد أو الاستفزاز أو الغضب الشديد أو أو أو... فمن خلال هذه الفنون تسير سفينة الحياة بنجاح.

فتصادم معهم هدر للطاقات والاوقات وانحراف عن الطريق المنشود.

والواقع الذي لا يمكن غض الطرف عنه انهم جزء من المجتمع الذي يمثل احيانا محطات نتوقف عندها في طرق الحياة حيث نتعامل معهم وتارة يحيطون بنا كل يوم أو برهة من الزمن.

فينبغي علينا حينها ان نتنبه اثناء وقوفنا في هذه المحطات، وكما قال صاحب كتاب ”أكثر من حياة“:

”يجب ألا نتوقف كثيرا في هذه المحطات حينما نختلف معهم، أو لا يعجبنا سلوكهم في الحياة، أو تصرفاتهم في العمل أو المنزل، أو لا تعجبنا ردود أفعالهم أو انفعالاتهم، أو سلبيتهم أو مخالفتهم للسائد العام الطبيعي الإنساني الذي فطر عليه الإنسان من محبة للآخرين والإحسان إليهم والتعاون معهم على البر والتقوى وعدم التعاون معهم على الإثم والعدوان.“ [1] 

ويبقى السؤال المهم: كيف نتعامل مع هذه الشخصيات التي قد تعرقل احيانا ولو لمدة معينة مسيرة نجاحنا أو تعكر صفو امزجتنا أو تنكد معيشتنا بل قد تساهم افعال هذه الشخصيات في وقف عجلة الانجازات والطموحات إذا لم نتعامل معهم بحكمة، فما هي الفنون للتعامل معهم؟

سنذكر بعض الفنون والافكار التي قد تساعد في التعامل مع هذه الشخصيات من خلال التجربة وبعض ما جاءت به بعض المصادر في هذا المجال:

1 - لا بد أن تتمتعوا بالثقة الكبيرة بالله أولا وبأنفسكم ثانيا، فهي الثروة الأهم في حياتنا، فلا يسوؤكم حديث شاذ أو سلوك مشين أو تصرف مستنكر، وضعوا دائماً هذه الأمور الخارجة عن المألوف في حجمها الصغير، واعتبروها مما طلبه الله - عز وجل - منا حينما قال سبحانه: ﴿خُذِ آلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِآلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ آلۡجَٰهِلِىنَ[2]  [3] 

2 - إذا كان شخصاً عزيزاً ومقرباً فمن الأجمل والأكمل استخدام الصراحة والمكاشفة معه حول هذه السلبيات والإشكاليات التي قد تعكر صفو العلاقة، وتسهم في تدميرها وسلب روحها البراقة. [4] 

يقول الشاعر:

إن العتاب من الاحبة منهل

عذبُ المذاق ومبرءُ الاسقام.

ويقول شاعر آخر:

أعاتب ذا المودة من صديق

إذا ما رابني منه اجتنابُ

إذا ذهب العتاب فليس ود

ويبقى الود ما بقى العتابُ.

3 - لا تعط أحداً الفرصة لينال منك، أو يسيء إليك بشكل مباشر، أو أن يهضم حقك، وقم بالسيطرة على الوضع بحزم وابتسامة في آن معا، واحذر من فقدان الأعصاب، أو الهيجان الذي يجلب الخسارة لك، ولصحتك دائماً، واعلم أن الندم لا يبني بيتاً هدمه التهور، وطالب بحقوقك بتعقل وثبات. [5] 

4 - فهم الآخرين:

احدى الفنون المهمة في التعامل مع الشخصيات التي تعاديك أو لا تطيقك هي معرفة الدوافع وراء تصرفاتهم.

يقول ريتشارد تلمبر في كتابه ”قواعد الناس“:

عندما يكون الجميع سعداء ومتعاونين، تعم الفائدة علينا جميعاً، فأنت ترغب في إخراج أفضل ما في جعبة الآخرين حتى تستفيد وإياهم، كما ترغب في أن تمتلك القدرة على مساعدتهم ودعمهم قدر الإمكان، وتلك الرغبتان متلازمتان في الواقع، إذن للحصول على أفضل ما لدى الآخرين عليك أن تعرف الدافع وراء تصرفاتهم.

فلا يمكن أن تتوقع أن تكون قادرًا على إصلاح سيارتك عندما تتعطل دون معرفة ماذا يدور تحت غطاء محركها. قد يكون شيئًا بسيطا حقا، لكن دون استيعاب الآليات الأساسية لعمل السيارة لا يمكنك إصلاحها، لا تنتظر منها أن تعود بك إلى المنزل. ومن ثم فإنه عن طريق الفهم البسيط لكيفية عمل محرك الاحتراق الداخلي، تكون لديك فرصة لتهيئة السيارة للسير إلى وجهتك.

وبذلك، فإنه حتى المعرفة المبدئية بما يحرك الآخرين ستعني أنك تستطيع الحصول على ما تريده منهم، وكذلك تستطيع مساعدتهم في خلال ذلك. [6] 

ويقول:

فلا يوجد إنسان على كوكب الأرض لم تشكله تجاربه الشخصية. إذن عندما يسخر زملاؤك منك، أو يخذلك صديقك، أو ينسى شريك حياتك يوم ميلادك، فقط تذكر أن هناك سبباً دائمًا. قد يكون سببا سخيفًا لكن لا بد أن هناك سبباً.

وأنا أخبرك بهذا لأنك إذا تمكنت من فهم السبب فسيكون من الأسهل عليك أن تتعامل مع سلوكيات الأشخاص السلبية. حتى إذا لم تتمكن من تغيير الطريقة التي يتصرفون بها، فسوف تجد أنك تتعامل مع التصرف بشكل أيسر إذا عرفت الدوافع المحركة له. ولأنك هيأت نفسك لفهمهم، فإنهم سيتخلون عن الوضعية الدفاعية ويغيرون سلوكهم. [7] 

ويقول:

لا أطلب منك أن تفهم دوافع الآخرين من أجلهم بل من أجلك أنت. [8] 

5 - لا تشغل يومك وغدك ومشاعرك وأحاسيسك وفكرك وحياتك بتصرفات السفهاء أو الحاسدين أو الحاقدين، أو الجهلة أو الناقمين، أو أصحاب المصالح، واحمد الله الذي ميزك بالعقل والحكمة والتوازن الروحي والنفسي والعقلي والجسدي وترفع عن هذه التصرفات ولا تشغل نفسك بها وعش حياتك بسعادة وطمأنينة، واتجه إلى هدفك بكل تركيز وإيمان. [9] 

6 - العمل بمدأ العفو والتغافل، لابد من رفع راية التسامح عالياً حيث ان هذا المبدأ له أثر كبير في تغيير من هم حولك.

والعفو: هو ضد الانتقام وهو إسقاط ما يستحقه الغير من قصاص أو غرامة. وأيضا هو محو الشيء وإزالته ويقال عفا عن الذنب أي لم يعاقب عليه. [10] 

قال تعالى عز وجل: ﴿وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ آلۡفَضۡلَ بَىۡنَكُمۡۚ[11] 

وجاء عن رسول الله ﷺ: عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله. [12] 

وجاء عن علي أمير المؤمنين : شيئان لا يوزن ثوابهما: العفو والعدل. [13] 

وعنه : العفو أعظم الفضيلتين. [14] 

وعنه : قلة العفو أقبح العيوب، والتسرع إلى الانتقام أعظم الذنوب. [15] 

وعنه : شر الناس من لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة. [16] 

وعنه - كان يقول -: متى أشفي غيظي إذا غضبت؟! أحين أعجز عن الانتقام فيقال لي: لو صبرت، أم حين أقدر عليه فيقال لي: لو عفوت [غفرت]! [17] 

وعنه - من كتابه للأشتر لما ولاه مصر -: ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا [ضاربا] تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه... ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة. [18] 

وعن الرسول الأعظم ﷺ: من عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزا في الدنيا والآخرة. [19] 

وعنه ﷺ: من كثر عفوه مد في عمره. [20] 

وعن الإمام الباقر : الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة. [21] 

وعن الإمام الرضا : ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا. [22] 

وعن الرسول الأعظم ﷺ: تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار. [23] 

وعنه ﷺ: تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار. [24] 

ومن النماذج الرائعة والجميلة في مبدأ العفو تلك الشخصية العملاقة مالك الأشتر رحمه الله، فكما يُنقل:

كان مالك الأشتر رحمه الله ماراً في سوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة من خام ايضاً..فرأه شخص يغلب عليه الطيش فاحتقره لثيابه العادية هذه.. ورماه ببندقة طين فلم يلتفت إليه الأشتر ومضى.

فقيل له: هل تعرف من رميت؟

قال: لا. قيل: هذا مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين .

وقد كان حديث مالك بين الناس على كل شفة ولسان.

فارتعد الرجل.. وتبع الأشتر ليعتذر إليه.. فوجده قد دخل مسجداً.. وهو قائم يصلي.

فلما فرغ من صلاته وقع الرجل على قدميه يقبلهما فقال الأشتر ما هذا...

قال: أعتذر إليك مما صنعت.

قال الأشتر: لا بأس عليك فو الله ما دخلت المسجد إلا لأستغفر لك. [25] 

هكذا تتعامل الشخصيات الناجحة والقيادة الرشيدة

- ولا ننسى دوماً ودائماً أن أكثر من 85٪ من أسباب النجاح الشخصي والنفسي والعملي والاجتماعي يعود إلى التميز والرقي والتحضر والإيجابية في التعامل مع الآخرين، وكسب ودهم وبناء الحب والعلاقات المميزة معهم، وإن المكمل وهو 15٪ لهذه النسبة المخصصة للنجاح والسعادة والطمأنينة في الحياة يعود إلى الذكاء والفطنة. [26] 

واخيرا اسأل الله عز وجل ان نكون من العاملين بما نعلم ونسأل الله العزيز القدير ان يعلمنا ما لا نعلم انه سميع مجيب ﴿وَمَاۤ أُبَرِّئُ نَفۡسِىۤۚ إِنَّ آلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِآلسُّوۤءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىۤۚ إِنَّ رَبِّى غَفُور رَّحِىم [27] 

 

[1]  كتاب أكثر من حياة، المؤلف: سلطان العثيم، ص 219، دار قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.

[2]  سُورَةُ الأَعۡرَافِ - الآية: 199.

[3]  كتاب أكثر من حياة، المؤلف: سلطان العثيم، ص 221، دار قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.

[4]  نفس المصدر السابق.

[5]  نفس المصدر السابق.

[6]  كتاب قواعد الناس، المؤلف: ريتشارد تمبلر، ص 5، ترجمة ونشر وتوزيع مكتبة جرير، الطبعة الأولى.

[7]  نفس المصدر السابق، ص 6.

[8]  نفس المصدر السابق، ص 7.

[9]  كتاب أكثر من حياة، المؤلف: سلطان العثيم، ص 222، دار قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.

[10]  الأخلاق والآداب الأسلامية، المؤلف: عبدالله الهاشمي، ص 154، المؤسسة اللبنانية للإعلان، الطبعة الأولى.

[11]  سُورَةُ البَقَرَةِ - الآية: 237.

[12]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2013، النسخة الالكترونية - موقع المكتبة الشيعية.

[13]  نفس المصدر السابق.

[14]  نفس المصدر السابق.

[15]  نفس المصدر السابق.

[16]  نفس المصدر السابق.

[17]  نفس المصدر السابق.

[18]  نفس المصدر السابق.

[19]  نفس المصدر السابق.

[20]  نفس المصدر السابق.

[21]  نفس المصدر السابق.

[22]  نفس المصدر السابق.

[23]  نفس المصدر السابق.

[24]  نفس المصدر السابق.

[25]  الأخلاق والآداب الإسلامية، المؤلف: عبدالله الهاشمي، ص 156، المؤسسة اللبنانية للإعلان، الطبعة الأولى.

[26]  كتاب أكثر من حياة، المؤلف: سلطان العثيم، ص 225، دار قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.

[27]  سُورَةُ يُوسُفَ - الآية: 53.