آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 3:29 م

أتسامح معهم لأتسامح مع نفسي

هدى الشايب

أذكر منذ ما يقارب الخمسة أعوام عندما بدأت في قيادة السيارة، كنت أحاول تفادي السيارات المسرعة في الطريق السريع وأنا أتجه للعمل كل يوم. فإن كنت في المسار الأيسر وخلفي سيارة مسرعة، ببساطة أغير مساري للوسط وأكمل مشواري بهدوء. ولكن ومع الوقت، أصبحت أتعامل مع أولئك الذين يضايقونني في الطريق بنفس طريقة تعاملهم فتعلمت استعمال بوق السيارة بكثرة وتلويح اليدين ليتمكنوا من رؤية انزعاجي وغير ذلك من الأمور. ذات مرة وبينما كنت مع أطفالي في السيارة نتجه نحو المنزل من مدرستهم أتت سيارة مسرعة خلفي فأصريت على بقائي في مساري وعدم تغييره حيث إنني ملتزمة بالسرعة القصوى للطريق. وبعد أن يأس السائق الذي خلفي من تنازلي قام بتغيير مساره ومن ثم الدخول على المسار الأيسر مرة أخرى ليصبح أمامي. وكالعادة قمت بالتلويح ودق البوق والعصبية. فجأة ألتفت إلى ابنتي التي كانت تجلس على الكرسي المجاور لي ورأيتها تنظر لي باستنكار وكأنها مصدومة من ردة فعلي. خجلت من نفسي وكأن بها تلقنني درسا في التسامح وإن لم تنطق بكلمة واحدة. فكرت ملياً بالموقف وأدركت أنه كان من الممكن ببساطة أن أغير مساري لأدعه يمر ثم أعود للمسار الأيسر لو أحببت.

أدركت يومها أن تسامحي مع الغير ليس سلاماً للعلاقة فقط بل هو سلام داخلي في نفسي. كثيرة هي الخلافات التي كان من الممكن أن تنتهي في ذات الوقت بكلمة طيبة أو قبلة على الجبين. ولكن إغلاقنا لباب التسامح وكبريائنا الداخلي كان يجعل الخلاف يطول ويصبح الصلح أصعب. كثيرة هي العلاقات التي انتهت بين أخوة أو أزواج أو زملاء في العمل كان من الممكن إصلاحها لولا الكبرياء.

تتكرر في حياتنا اليومية مواقف كثيرة مثل أن يتقدم علينا شخص غريب في خط الانتظار أثناء المحاسبة في السوق، أو أن يدخل أحد علينا في المكتب هائجا بسبب تأخر معاملة لديه، أو أن يحدث حادث مروري في الطريق وتتضرر سيارتي، أو أن تقوم معلمة أطفالي بعدم اختيارهم لأداء دور مسرحي في احتفال. وغيرها الكثير من الأمور التي يكون لي القرار في ردة فعلي حينها. فإما أن أنفعل وأستنفذ طاقتي بالصراخ وتضخيم الخلاف أو أن أوضح للطرف الآخر بهدوء أن هذا الأمر أزعجني ولكنني أتسامح معه.

عندما كان صغاري يأتون ليتحدثوا معي عن موقف حدث لهم مع زميل أو زميلة في المدرسة، كان ردي معظم الأحيان ”ربما لم يكن يقصد ما فعل.“ وكأنني أخبرهم بأن يغضوا النظر حفاظًا على العلاقة ولكنني أدركت أنني لا أطبق ما أنصحهم به.

لا يعلم أي منا ما يمر به غيره من مشاكل قد تتسبب في توتره. ومن الجميل أن نحاول مراعاة بعضنا البعض وإن لم نكن نعلم بالأسباب المخفية. كثرت في زمننا هذا الأمراض وموت الفجأة. فكمْ سيؤلمنا الندم لو فقدنا شخص كنا على خلاف بسيط معه وكان بالإمكان تدارك الأمر والتسامح معه في حينها.

وبالعودة إلى مثال القيادة في الطريق السريع، ذكر لي أحدهم ذات مرة أنه من الممكن أن يكون ذلك الشخص الذي يسرع خلفي على عجلة من أمره لأن أهله في منزلهم يواجهون مشكلة خطيرة ويجب أن يصل مسرعاً. ربما لديه طفل يعاني من مرض خطير ويجب أن يسرع لأخذه للمستشفى، ربما كلمه أحد أهله يخبره أن شخصا غريبا دخل منزلهم، ربما سمع عن حريق في منزل أحد الجيران وكان يخشى أن يطال عائلته، وربما يكون لا عذر له سوى أنه يحب السرعة. في كل الأحوال أنا أملك الخيار في أن أتسامح معه لأتسامح مع نفسي.