آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:41 م

الألق في حركة الإمام السجاد (ع) التبليغية «1»

بين يدي الإمام السجاد نستلهم الدروس المهذبة للنفس من الرذائل الأخلاقية والسلوكيات المعوجة، فقد كانت سيرته العملية تجسيدا للقيم والمفاهيم التربوية وميدانا للاقتداء بها لمن يطلب العلياء والتكامل الإنساني، كيف وهو صاحب النفس الأبية الرافضة لكافة أشكال الظلم والعدوان المادي والمعنوي، بل ويحذر من وقوعه حتى على الحيوانات، فمن سار على نهج زين العابدين ورق قلبه أمام المناظر المؤلمة لن يألو جهدا من أجل تقديم المساندة ورفع الحاجة والتخفيف عن كرب الآخرين، وهذا ما يخلص النفس من أغلال الأنانية والنفعية واستغلال حاجة الغير لمآرب شخصية، ويدفع بالمرء نحو ساحة العطاء وميدان المباركة من خلال تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وهكذا نجد أن الإمام قد أسس لفكرة ومظلة التكاتف والتكافل الاجتماعي ودفع مسيرة الإنفاق والعطاء وبلسمة آلام المهمومين والمحتاجين، من خلال صناعة الشخصيات الإيمانية التي تربت على يدي دعوته الرسالية وكلماته الحكيمة وسيرته العملية الشريفة، فمصدر السعادة وراحة البال في المدرسة السجادية لا تكون بالحصول على شيء من متاع الدنيا الزائل، ولا الاغترار باللحظات الجميلة في حياتنا؛ بسبب تحقيق إنجاز وتقدم في ميدان معين مع المعاناة من الفراغ الروحي والتبلد الوجداني أمام مرأى المعاناة والحاجة لمن حوله وإدارة صفحة الوجه عن سحنة التعب والقلق التي تسكن وجوههم!!

ولمن يسأل عن الدور الريادي والتبليغي الذي قاده الإمام السجاد ظنا منه بأنه له مسير واتجاه يختلف عن آبائه الطاهرين، أو الاتهام الباطل والزائف المتعلق بتصور ميل الإمام للدعة والراحة والبعد عن تحمل مسئولية الإمساك بزمام أمور الناس، فإن هذا الوهم يندفع بفهم حقيقة دور الإمام في الأمة مع مراعاة الظروف التي يعاصرها وما تسنح له من فرص لتبليغ قيم الدين الحنيف، فالإمام شخص مرضا خطيرا يوهن نفوس الناس، ويدمرها ويسلخها عن القيم الإنسانية النبيلة، فقد تخلى البعض عن قيم الدين الأخلاقية والاجتماعية، واكتفى منه بالاسم والهوية، أي إفراغ الدين من مضامينه العالية ومعانيه الجميلة المهذبة للنفس والرافعة لشأنها في سماء الكرامة ونزاهة النفس وطلب العلياء والتألق، فتطلب الأمر تحمل الإمام للمسئولية التربوية، وبث روح الأخلاق الحميدة والدعوة لاكتساب السلوكيات الفاضلة والمحبوبة، وسخر الإمام وقته وجهده وقدراته في طريق صناعة الشخصيات وصياغتها وفق القيم الدينية النبيلة، كما فعل ذلك جده المصطفى ﷺ عندما بعث بالإسلام فدعا إلى التحلي بالقيم المحققة للإنسانية الكريمة وتهذيب النفس من الظلم والعدوان والعبودية للمال والجاه، وبذلك نفهم أن تلك الدروس التربوية والحكم النورانية التي قدمها من خلال منبر جده ﷺ في المسجد النبوي لا تقل شأنا، ولا تختلف في اتجاهها ومضامينها عن الأدوار التي قام بها آباؤه الطاهرون ، فالتعدد في الأدوار كان بسبب الظروف والمتطلبات التي يحتاجها الناس في ذلك الوقت، ولكن الهدف والاتجاه والحركة الرسالية التبليغية واحدة.

ولذا فإن مدرسة الدعاء التي قادها ليست مجرد صف للكلمات أو مذلك بعدا عن تحمل المسئوليات والانزواء عن الناس والتخلص من أعباء وهموم حركة التوجيه والإرشاد، بل هي عملية صعبة وشاقة قادها الإمام السجاد للتحلي بالنورانية الروحية والإيمانية وبناء الشخصيات القوية، من خلال تعلقها واتصالها بالقوة المهيمنة على الكون والمصرفة لشئونه والثقة بتدبيره عز وجل، فتهون حينئذ المشاكل والعراقيل ويتعامل معها المؤمن متكلا على الله تعالى ومتسلحا بالبصيرة في تشخيص الأمور وبالصبر وتحمل المتاعب والتحديات التي تقف في وجهه وتعرقل مسيره، ويبقى تلك الشخصية المتصفة بالثبات والصمود والفاعلية في ممارسة أدواره الثقافية والاجتماعية وغيرها، فما نراه من ضعف وخواء في شخصيات البعض يتمظهر بالروح المادية أو التشاؤم والقلق من المستقبل يفهمنا حقيقة دور وجهود الإمام السجاد في صناعة الشخصيات وصياغتها وفق القيم الدينية.

?