آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 7:29 م

أراجيز الطف 41

محمد أحمد التاروتي *

تحمل أرجوزة الشهيد أنيس بن معقل الأصبحي، التي ارتجزها في يوم الطف، التعريف بالذات، والشجاعة الكبيرة، في مقارعة الأعداء في ساحة النزال، حيث تتضمن الأبيات التفاخر بالنسب، والاستعداد لضرب الرؤوس بالسيف، من أجل الدفاع عن ريحانة المصطفى ، باعتباره سليل خير الرسل، والمحامي عن الشريعة الإسلامية.

يبدأ الشهيد أنيس بن معقل أرجوزته، بإماطة اللثام عن هويته أمام الأعداء، من خلال التعريف بالذات، والتفاخر باسمه، والاعتزاز باسم والده، من أجل إعطاء الجيش الأموي رسالة واضحة، تتمثل في الحذر من الاقتراب منه، خصوصا وأن الشهيد يعتبر من الأبطال الشجعان، الذين لا يشق لهم غبار على الإطلاق، فالحرب تعرف شجاعته وقدرته على بالإطاحة، بكل بطل يحاول الاقتراب منه، نظرا لامتلاكه كافة فنون الحرب، وبالتالي فإن التعريف بالذات أمر بالغ الأهمية في المعارك، لإحداث الرهبة في النفوس من الاقتراب، أو التفكير من المبارزة، حيث يقول ”أنا أنيس وأنا ابن معقل“.

في عجز البيت الأول من الأرجوزة، يستخدم الشهيد أنيس بن معقل، مفردات دقيقة لإدخال الرهبة والخوف، في قلوب الجيش الأموي، حيث يحذر من التفكير في المواجهة المباشرة، نظرا لوجود السيف اللامع الذي يخطف الأرواح قبل الأبصار، فالكلمات تحمل دلائل واضحة تتمثل في السرعة الكبيرة، في استخدام السيف، وعدم ترك الفرصة للعدو للمناورة، أو الهرب من الموت، فهو لا يترك هذه المساحة للعدو للنجاة، من تجرع مرارة الموت، وبالتالي فإن الشهيد أنيس بن معقل، استطاع في بضع مفردات إيصال شجاعته، إلى قلوب الجيش الأموي بشكل مباشر، عبر استخدام مفردات بسيطة، ولكنها قادرة على اختراق القلوب المملوءة، بالحقد والبغض للعترة الطاهرة، حيث يقول ”وفي يميني نصل سيف مصقل“.

بينما يتضمن الشطر الأول، من البيت الثاني من الأرجوزة، جميع معاني الشجاعة والاستعداد للقتل للتنكيل بالأعداء، فهو لا يتوانى عن استخدام السيف على الرؤوس ”الهامات“، في سبيل الدفاع عن الدين، والقيم الإسلامية، التي خرج من أجلها ريحانة المصطفى ، فاليد اليمنى التي تحمل السيف، تستهدف إنزال العقاب العادل، بحق الجيش الأموي، من خلال الهجوم على الأعداء، وعدم التردد أو الخشية من منازلة، هذه الألوف الجرارة المحتشدة في صحراء كربلاء، فكما أن الشهادة شرف ومرتبة، لا ينالها سوى من امتحن الله قلبه بالإيمان، فإن إظهار البطولة في مواجهة العدو أمر مطلوب في الحروب، حيث سيكون الموت المصير المحتوم، عبر الضرب على الهامات، وعدم التردد في شطر الرؤوس إلى شطرين، بواسطة السيف اللامع، حيث يقول ”“ أعلو بها الهامات وسط القسطل ".

يستمر الشهيد أنيس بن معقل، في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، في بيان البسالة والشدة في القتال، والاستمرار في الدفاع عن الحق في مواجهة الباطل، حيث يستخدم مفردات دقيقة للغاية، في التعبير عن مقصده، في النزول لساحة القتال في أرض كربلاء، حيث ينطلق من إيمان كامل بالفوز بالجنان، والخلود في الدنيا والآخرة، فهو حريص على الدفاع عن سبط المصطفى ، حتى الرمق الأخير من حياته، باعتباره واجبا على كل مسلم، خصوصا وأن الجيش الأموي لا يجد غضاضة في رفع السيف، في وجه سليل العترة الطاهرة، حيث يستخدم الشهيد أنيس بن معقل مفردة ”الخطب“، مما يدلل على أنه لا يتحرك لحماية نفسه من الشهادة، بقدر ما يهدف إلى رفع الظلم والمكروه، عن سيد الشهداء ، الذي أحاطت به الألوف من كل جانب، في صحراء الطف، حيث يقول ”حتّى أزيل خطبه فينجلي“.

ويكشف الشهيد أنيس بن معقل، في الشطر الأول من البيت الثالث، من الأرجوزة، عن حقيقة النزول في ساحة المعركة، وحمل السلاح في وجه الجيش الأموي، فهو لا يتحرك من غايات ذاتية، أو مطامع دنيوية، وإنما ينطلق من مبدأ ثابت، والمتمثل في الدفاع عن الدين والقيم الإسلامية، المتجسدة في ريحانة المصطفى ، فهو حجة الله على الأرض، والبقية الباقية من عترة الرسول الأكرم، وبالتالي فإن الدفاع عن الإمام الحسين واجب ديني على الجميع، فالإمام الحسين يبقى ”المفضل“ في الأمة الإسلامية، ولا يوجد أحد غيره ”ابن بنت رسوله“، مما يعني أن الدفاع عنه في المعركة من الواجبات الدينية على المسلم، بينما الوقوف خلف عبيد الله بن زياد في حربه، يمثل الخزي والعار والخسران في الدنيا والآخرة ”حيث يقول“ عن الحسين الماجد المفضّل ".

ويلخص الشهيد أنيس بن معقل، في عجز البيت الثالث من الأرجوزة، الشرف الكبير الذي يمثله ريحانة الرسول الأكرم ، والذي تربى في حجر خير الأنبياء ﷺ، وأفضل الرسل على الإطلاق، الأمر الذي يحفز على تقديم النفس رخيصة في سبيل الدفاع عنه، بخلاف الجيش الأموي المتحفز للقتال، فهو يفتقر للشرف الرفيع، والقيم الدينية، والأخلاق الفاضلة، فضلا عن الأعراف العربية التي تستنكف القتل دون وجه حق، وبالتالي فإن الشهيد أنيس بن معقل، يتحرك من منطلقات ومرتكزات دينية وثابتة، تقوم على الانتصار للحق ومحاربة الباطل بشتى أشكاله، الأمر الذي يفسر إصراره على نصرة ريحانة المصطفي ، لما يمثله من الحق ضد الباطل، الذي يقوده عبيد الله بن زياد، حيث يقول في الأرجوزة ”ابن رسول الله خير مرسل“.

تنقل كتب السير أن الشهيد أنيس بن معقل الأصبحي برز إلى الميدان بعد ظهر العاشر من محرّم، وكان يرتجز ساعة القتال ويقول:

أنا أنيس وأنا ابن معقل
وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل
حتّى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الماجد المفضّل
ابن رسول الله خير مرسل

كاتب صحفي