آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 9:47 م

أراجيز الطف 43

محمد أحمد التاروتي *

تحمل أرجوزة الشهيد خالد بن عمرو الأزدي في يوم الطف، الإقبال على الموت بنفس مطمئنة، بالإضافة للتسليم التام برضا الرحمن، فالشهادة تحت لواء ريحانة المصطفى ، تمثل قمة الطاعة للرحمن، والامتثال بوصية الرسول الأكرم ﷺ، بالسير خلف ”عدل القرآن“، فالأبيات الشعرية تحمل في طياتها الاستعداد التام، للإقبال على الموت بكل راحة واستقرار، من أجل اللحاق بكوكبة الشهداء السابقين، الذين بذلوا الأرواح رخيصة ساحة المعركة.

يبدأ الشهيد خالد بن عمرو الأزدي، الشطر الأول من الأرجوزة، بتوطين النفس على الصبر في ساحة القتال، فالموت مصير كل البشر منذ خلق الله الأرض ومن عليها، وبالتالي فإن الخوف من الموت ليس من شيمة المؤمن، وكما أن الهروب من القتال ليس من شيم الأبطال، فحمل السلاح لنصرة الحق يكشف المعدن الحقيقي للإنسان المؤمن، فالشهيد خالد الأزدي، يستخدم مفردة ”الصبر“ للدلالة على الاستعداد الكامل، للخوض في ساحة القتال دون وجل أو خوف، نظرا لوضوح المصير المنتظر بعد انتقال الروح إلى خالقها، وسقوط الجسد في ساحة القتال، فهو يستعير ”بني قحطان“ للدلالة على أصوله وعشيرته من جانب، وإظهار الشجاعة الكبيرة التي تمتاز بها عشيرته في الحروب من جانب آخر، وبالتالي فإن التفاخر بعشيرته لا يهدف المناداة للنصرة، بقدر ما يهدف إلى قدرة العشيرة على اقتحام الموت، وخوض الحروب لإنزال العقاب العادل بالأعداء، حيث يقول ”صبراً على الموت بني قحطان“.

بينما يكشف الشهيد خالد الأزدي، في عجز البيت الأول من الأرجوزة، الغاية الحقيقية من الصبر على الموت في ساحة القتال، والمتمثلة في السعي الدائم إلى ”رضا الرحمن“، فالمؤمن يتحرك في جميع أعماله، لتجنب سخط الرحمن، من خلال الالتزام الكامل بأداء الطاعات، والإيمان الكامل بالرسالات السماوية، وكذلك التسليم الكامل بأوامر الرسل، فضلا عن السير خلف الأوصياء، والتضحية بالذات في سبيل الدفاع عن ”عدل القرآن“، خصوصا وأن مخالفة العترة الطاهرة تجلب سخط الرحمن، ومن ثم فإن المسلم مطالب بمراقبة أعماله على الدوام، لتكون ضمن ميزان الرضا الإلهي، من أجل الفوز في الدنيا والآخرة، لاسيما وأن هناك أعمال تجلب على أصحابها الكثير من السخط الرباني، وتعود على أصحابها بالشقاء الأبدي في الدنيا والآخرة، حيث يمثل الوقوف أمام سبط المصطفى ، أبرز مصاديق تلك الأعمال التي تجلب الخزي والعار، في الدنيا والأخرى، حيث يقول ”كيما تكون في رضا الرّحم?ن“.

وينتقل الشهيد خالد الأزدي، في الشطر الأول من البيت الثاني، من الأرجوزة، إلى التمجيد بالصفات الربوبية، والتي تحفز على التمسك بالصراط المستقيم، فهذه الصفات الألوهية تحمل في طياتها، كل معاني العشق الإلهي، فالمسلم الملتزم بأداء الطاعات، يدرك بعض معاني تلك الصفات الألوهية، مما يحفز على المزيد من الصبر في طاعة الخالق، والابتعاد عن المعاصي، خصوصا وأن وجود الخشية والخوف من ”ذي المجد“ و”العزة“، يدفع باتجاه الاجتهاد في العبادات، وعدم السير وراء الشهوات، باعتبارها طريقا لسخط ”رب العزة“، فالشهيد خالد الأزدي، يستخدم هذه الصفات الألوهية لإيضاح التسليم الكامل لله تعالى، فهو لا يتردد في اقتحام الصعاب في سبيل طاعة الخالق، نظرا لما يمثله الالتزام بالأوامر من السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، حيث ”ذي المجد والعزّة والبرهان“.

ويواصل الشهيد خالد الأزدي، في عجز البيت الثاني، من الأرجوزة، في سرد المزيد من الصفات الإلهية التي يتغنى بها، مما يكشف حالة التعلق الكبير بالخالق، فلسانه يلهج على الدوام بالحي القيوم، فالمسلم مطالب بذكر الله في آناء الليل وأطراف النهار، لتطهير القلب من الأمراض على اختلافها، وزيادة الطمأنينة في النفس، وكذلك طرد وساوس الشيطان، التي تلازم الإنسان طيلة حياته، وبالتالي فإن ترطيب اللسان بالأسماء الحسنى، يحدث أثرا كبيرا على القلب، ويعطي الإنسان القوة المعنوية، القادرة على مخالفة النفس، وعدم الاستجابة إلى الشهوات الشيطانية، فالمفردات التي استخدمها الشهيد خالد الأزدي، تكشف عمق الإيمان الذي يحمله في قلبه، ومدى العشق الإلهي، فهو لا يتردد في الاستجابة لنداء الشهادة، ونيل شرف نصرة ريحانة المصطفى ، انطلاقا من العشق الإلهي الذي أوجب طاعة العترة الطاهرة، حيث يقول ”وذي العلا والطّول والإحسان“.

ويخاطب الشهيد خالد الأزدي، في الشطر الأول من البيت الثالث، من الأرجوزة، والده الشهيد عمرو الأزدي، الذي استشهد في القتال مع الجيش الأموي بيوم عاشوراء، حيث يغبطه بالدخول في الجنة، مما يحفزه على السير خلفه عبر إظهار الشجاعة والبطولة، في مقارعة جيش عبيد الله بن زياد، من أجل اللحاق بوالده بالجنان، بالإضافة لذلك فإن الشهيد خالد الأزدي، يكشف عن الرغبة التامة في القتال، حتى الرمق الأخير في سبيل نصرة الحق، وعدم مهادنة الباطل في ساحة الطف، خصوصا وأن ثمرة الشهادة تكون في النعيم الأبدي، والخلود في الدنيا والآخرة، فالشهادة تمثل بداية الحياة للإنسان المسلم، فالشهيد يبقى حيا في القلوب الحية على مر العصور، حيث ”يا أبتا قد صرت في الجنان“.

يختم الشهيد خالد الأزدي أرجوزته، بالجائزة الكبرى التي يحصل عليها الشهيد في الآخرة، حيث يفوز بـ ”قصر“ كبير للغاية، مما يحفز الإنسان على الركض نحو الشهادة، بقلب ثابت ونفس مطمئنة، نظرا لوجود جائزة ثمينة تستحق التضحية بالغالي والنفس، فهذه الجائزة تختلف عن الجوائز الدنيوية الزائلة، أو التي يتركها صاحبها بعد فترة قصيرة، بينما الجائزة الإلهية في الآخرة تكون دائمة، وتحفل الكثير من الأمور التي يصعب تصورها، باعتبارها ”قصر رب“، بالإضافة إلى كونها ”حسن البنيان“ بخلاف الجوائز الدنيوية، التي صممت وفق عقول بشرية قاصرة، مما يجعلها محدودة وغير مكتملة على الإطلاق، حيث يقول ”في قصر ربّ‌ حسن البنيان“.

وذُكر في بعض كتب المقاتل أنَّ خالد بن عمرو الأزدي خرج إلى القتال بعد أبيه أمام الإمام الحسين وأخذ يرتجز ويقول:

صبراً على الموت بني قحطان
كيما تكون في رضا الرّحم?ن

ذي المجد والعزّة والبرهان
وذي العلا والطّول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان
في قصر ربّ‌ حسن البنيان

كاتب صحفي