آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

الدّماغ البشري.. بين أناعيم المزايا وملايين الخلايا.. حَدَثٌ وحَدِيثٌ ”52“

عبد الله أمان

تُعدّ نعمةُ ”الدماغِ“ البشري، مِن أرقَى وأسمَى الهِباتِ الإلهيةِ، التي تَفضّلَ وأَنعمَ الخالقُ - جلّت قدرته - بها على مَن فضّلهُ تّفضِيلًا، على سَائر خلقهِ… إنّه الإنسان، خليفة الله في أرضِه؛ لِيعمُرها، ويُحسِن أداء العملِ الصالحِ فيها؛ ويُنشر الخيرَ والصلاحَ، في أطرافِها، كما أمرهُ ربُه، ومُدبّر أمرِه؛ وليسعَى في مَناكِب الأرض إلى حِينٍ؛ ويَتمتّع في مُستقرّ آفاقِها زَمنًا قليلًا؛ ويَتنعّم بأطيافِ وأصنافِ أحلَى وأبهَى مَباهِجها، وأجملَ مَسرّاتِها؛ وحتّى لا يَنسَ، أو يَتناسّى سَاعةً، دليلَ مَلكةِ عَقلِه المُدرِك الراشِد النابِض؛ ويرجِع القَهقَري إلى أقاصِي داخِلةَ نفسِه الرّاضِيةِ المَرضِيةِ؛ ويتيقّن أنّ جُلّ مِشوار حَراك حَياتِه الدّنيوية، مَا هُو إلّا قَنطَرة مُرورٍ عَابرةٍ سَالِكةٍ، استعدادًا لسُكنةِ الدارِ الآخرةِ، دََار القرارِ المَكِين، وفِردوس السعادةِ الأبديةِ…! وعِندئذٍ يتجلّي عَطاءُ رِفدِ هِبةِ العقلِ - الرائدِ القائدِ - في طَوعِ قِمّة مُلكية الذاتِ الإِنسانيةِ، إذ أنّ كلّ عَملٍ يقوم به الإنسان مَنوطٌ، ومُرتبطٌ، ومُتصدّرٌ بأمرِ مِن قرارٍ ”مَركزِي“ تُزجِيه الكَثرةُ الكاثِرةُ مِن مَنظومةِ تظافُر خَلايا عقلِه العصبيةِ ”المليونةِ“ بوصلاتِها المُعقّدةِ…! والجديرُ بالذّكرِ، «أنّ الدماغ البشري يَحوِي أكثر مِن مِئة مِليارٍ مِن الخلايا العصبية الدماغية؛ وأنّ تَدفّق سَيل الرسائل المعلوماتيةِ المخيةِ، تقطع حوالي مِئتان وستّون مِيلًا في الساعة الواحدة» *

هذا، ويَكاد يُجمع علماءُ الأعصابِ، بمَنظومات، ومُتون، ومُنتديات أبحاثهم المُتجدّدة، «أنّ هُناك أربعةَ عوامل رئيسة لها مَركزية الفاعِلية الوظيفِية، والتأثير الآمِر النشِط، على صِحّةِ، وسَلامةِ، وحَيويةِ أجهزةِ الدماغِ المُتجانسةِ المُتناسقةِ؛ لإبقائها في حالةٍ قُصوَى مِن النموّ المُتجدّد، والنشاطِ المُنتِج، وسَلاسةِ، وسلامةِ، ولياقةِ إنجازِ مهامّ العملِ الفسيولوجِي الدّائب المُواضِب… وأوّل تلك العوامل: هو الحِرصُ على إبقاء لياقة أجهزةِ الجسمِ المُختلفةِ، في حالةٍ مُنتطمةٍ مِن درجاتِ النشاطِ والحيويةِ؛ لِضمانِ صحّةِ وكفاءةِ الأداءِ المُتكامِل والمُتفاعِل لمُختلفِ وظائف أجهزةِ الجسمِ، ومِنها على وَجهَ الخُصوصِ: ”ميكانيكية“ العملِ الفسيولوجي الوظِيفي، لمختلف أجزاءِ الدماغِ الرئيسةِ، في وسَط إبداعٍ مَدٍ مُنتجٍ، مُتناسقٍ ومُتساوقٍ، بعيدًا عن حَالاتِ القُصورِ، وتَقاعُساتِ الكَسلِ والكَللِ… وثاني تلك العوامل أهمية: تنظيم أوقات النوم والاسترخاء المُعتادة، لِثمانِ ساعاتٍ مُتّواصلةٍ، بُغيةَ تجديدِ عَملِ الخلايا الدماغيةِ؛ وأخذِ القسطِ الوافِر الكافِي مِن الراحةِ والجَمامِ اللّازمَين؛ والابتعادِ اليقظِ - قدر الإمكان - عَن مَصادِر التوتّر، ومَنابِع القلق المُتجدّدَين. وثالثها: تناول وَجبات الطعام الصحية المُعتادة؛ مِن أصل مَصادِرها الطبيعية؛ وتجنّب مَا يَتسبّب في إضعافِ وإتلافِ خلايا الدماغ، جُملةً وتَفصِيلًا، كتعاطِي الكُحوليّات المُدمّرة، والمخدّرات الفتّاكة… ولعلّ علماءَ التغذيةِ المُعاصِرين يوصُون ويشدّدون على تناولِ برنامج غِذاءِ سُكّان ”البحر الأبيض المتوسط“ المُتوازِن، بين التركيزِ على سَلّةِ الخُضارِ والفَواكهِ الطازِجةِ، لِما تّحويهِ مِن أصلِ مَصادر الفيتامينات والمعادِن الأساسِيةِ الضرورِيةِ؛ وكذلك وَجبات الأسماكِ المَشويةِ، لما فيها مِن نِسبٍ عَاليةٍ مِن الأحماض الدّهنية ”الأُوميقا - 3“ العنصر الأساس في صِحة، وتَغذية، ونَشاط عمل المخ؛ ومِثلها الزيوت النباتية الطبيعية. ورابعها: تفعيل لَحظات التأمّل؛ وإعمال هُنيهات التدبّر الذاتية؛ وانتهاج سَكِنات الخُلوة النفسية لإضفاءِ وغَمرِ لحظاتٍ هَادئةٍ، مِن مَطلبِ الاسترخاء؛ واغتنام فُسَحٍ سَاكنةٍ مِن إراحةِ الخلايا العصبيةِ المُخيةِ؛ لتَسهِيلِ وتَمكِينِ بُلوغ ذُروة كَفاءة نشاطها الدائب المُعتاد، أثناء ساعات مُزاولةِ أنشطةِ العملِ اليومِي، بمزيدٍ مِن التجدِيدِ والتركِيزِ المَطلوبَين. يُضاف إلى ذلك الفيضِ المُتناسِقِ، اتّباع دَيدنِ برنامجٍ رياضِي حَركي؛ لِبناءِ، وتَقويةِ، ولِياقةِ الجهازِ العضلي والدوري...»!

ولَعلّه مَن المُفيد والمُجدي تِبيانه وإِتيانه استحسانًا، في زخمِ هذا السياق، التعرّف على أجزاء الدماغ البشري، بشكل مُبسّطٍ ومُقتَضبٍ، «حيث يحتوي بشكلٍ مُجملٍ، على ثلاثةِ أجزاءٍ رئيسةٍ: المخ، وهو الجزء الأكبر، ويتكوّن مِن فِصّين كُرويّين رئيسيّين: أيمن وأيسر. وثانيها المُخَيخ: ويتكوّن مِن جُزأين أيضًا: أَيمن وأَيسر. وثالثها: جَذعُ الدماغ… والحديثُ عن المخ، الجزء الأكبر في الدماغ، فيحتوي على أربعةِ فصوصٍ، أولها الفص الجبهي الأمامي: وهُو المسؤول عَن الوظيفة الحركية في الأطراف السّفليةِ والعُلويةِ، وكذا المشاعر، والتفكِير، وتكوين الشخصية. وتانيها: الفص الجداري - الأيمن والأيسر، ومُهمّتهما استقبال مَراكز الإحساس، مِن كافّة أنحاء الجسم. وثالثها: الفص الخلفي القَذالي، وهو المسؤول عَن الإحساس البصري، وكلّ مَا تراه العين، يترجم إلى صُور. ورابعها: الفص الصدغي، وهو المسؤول عن الذاكرة والسمع… إضافة لما تقدّم ذكره، هناك المُخَيخ، بقِسميه: الأيمن والأيسر، وهو المسؤول عَن توازنِ الجسمِ، وسَلاسةِ الحركةِ؛ وأخيرًا، يأتي جِذع الدماغ، ويضمّ سلسلةَ الأعصابِ الدماغيةِ الوظيفيةِ المهمّةِ: كالتنفس، والوعي، والهضم والتحكّم في عَضلةِ القلبِ» *.

وتطفُو على حافّة السطح القريب إفرازاتُ المصطَلحِ العِلمي ”الدُّوبَامِين“ وهو ناقلٌ عَصبِي تِفرزه خلايا الدماغ، وبالتحدِيد، تفرزة وتصدِّره المادة السوداء في خلايا المخ، حيث نقصُها في الدماغ يؤدّي إلى الشعور بالمَللِ، وعدمِ الرغبةِ في القيامِ، أو إنجازِ عملٍ مَا... وهنا تَبرزُ المُهمّة الوِظيفية للناقِل ”الدوبامين“ وهي ”نزعةُ ورغبةُ“ التحفيز الذاتيتين في أداء وإنجاز العملُ المرغوبُ فيه، مع الشعورِ الذاتي بالاشتياقِ والسعادةِ، والارتياحِ؛ كنتيجةٍ طبيعيةٍ، لإفراز وانتشار مادة الدوبامين، في خلايا الدماغ؛ وبالتالي انتشارِها وتوزيعِها في جميع أجزاء الجسم… ولعلّ المِثالَ المُعاشَ الملموسَ على ذلك، هُو الاستخدام اليومي - لِفتراتٍ طويلةٍ - لمَواقعِ التواصلِ الاجتماعي «الإنترنت، والفيسبوك، والإنستجرام، واليوتيوب…» تلك المُمارسةِ اليوميةِ، لفتراتٍ طويلةٍ، تقودُ إلى مَرحلةِ ”الإدمان“ والسبب المُباشر مِن وراءِ ذلك، هو شُعور ”المُتصفّح“ النشِط، بأجواءٍ مِن فَرطِ السّعادةِ، والمَرحِ، والارتياحِ، وآفاقِ النشوةِ القُصوى… ومِثل ذلك الشعور الذي يعيشه مُبتهجًا بسَعادةٍ وَهميةٍ، مُتعاطِي المخدّرات: «الكُوكائين والهِيروين، ومَا شابههما» فإن تلك المُمارسات الفتّاكة، بسلامةِ ولياقةِ الصحةِ العامةِ، وبالخُصوصِ مِيكانيكيةِ عَملِ المخ المُعقّدة؛ حيثُ إنّ الإسرافَ في تعاطِي أنواع المُخدرات، يؤدّي إلى نقصٍ حَادٍ في مُعدّلِ إفرازِ مادةِ الدوبامين… وتلك هي قمّة مُنزلقِ وهَلاكِ مَوارِد النشاطِ ومُستحثّاتِ الحيويةِ والنشاط الدابَين الدائبَين، في جميع أطرافِ الجسمِ: العُلوية والسُفلية؛ وهُناكَ بعضٌ مِن أسوأ المُمارساتِ اليوميةِ الخاطئةِ، مِنها: الإسرافُ في تناولِ القهوةِ الداكنةِ؛ لاحتِوائها على مادّة الكافئين؛ ومثل ذلك الضرَر المُتراكِم: الإسراف في تدخين التبغ، وارتفاع نسبة النيكُوتين في الدم؛ وتناول الحلويّات بكَثرة، وُصُولًا إلى مُعدّلاتٍ خطيرةٍ للسُمنةِ المُفرِطةِ…! وتَتجلّى بَارقةُ الحُلولِ الناجعةِ؛ وتعلُو أطيافُ التعافِي الحاضِرة، بنشر ظِلالها الوارِفة؛ بتناولِ الأطعمةِ الغنيةِ بالبروتيناتِ الطبيعيةِ: مِثل أطعمةِ المُنتجاتِ الحيوانيةِ المتنوّعةِ ومُشتقاتِها؛ ومِثلها الأسماك المَشوِية… وعلى وَجهِ العُموم، الاعتدال في نمطِ الاستهلاك المُتوازِن مِن الطعامِ، دُون إفراطٍ، أو أدنى تفريطٍ…! ومِن جانبٍ آخر، أثبتت الدراسات الميدانية أنّ مَظاهِر العُزلةِ، والابتعادِ والتخفيف مِن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المُتاحة - بين الفَينةِ والأُخرَى - لمُددٍ مُتباعدةٍ، تزيد مِن وَفرةِ إفرازات مادةِ الدوبامين المعتدِلة في الدماغ؛ مِمّا ينعكسُ أثرها إبجابيًا في تحسّنِ جِملةِ ذائقةِ النواحيِ المِزاجيةِ، وكذا الرغبةِ الذاتيةِ الجاذبةِ في إنجازِ برنامج العملِ اليومي المَرغُوبِ، بمزيدٍ مِن النشاط، وزخمٍ مِن الحيويةِ الذاتِيين!

ومَمّا تقدّم ذَكره وسَرده مِحوريًا، مِن مَزايا وأَفضال العقل البشري، يَنطوِي في مَطلبِ الحِفاظِ الذاتي - الجَاد اليقِظ، على أثمن وأغلى جَوهرةٍ يَمتلِكها الإنسان؛ إنّها تاج وُجودِه، وأصل كِيانِه، ولُبّ سعادته الدنيوية والأخروية؛ وإنّ التفريطَ في كَرامةِ الأصلِ الماثلَ، والتقصيرَ في صِيانةِ تاجَ الوجودِ الحافلِ؛ والاهمالَ في تأصيلِ الحضورِ العقلي الفاعلِ، يؤدّي غِيابهم الطويل حَتمًا مَرئيًا، إلى سَحبِ بِساطِ نُبل الشهامةِ الإنسانيةِ؛ وضَربِ سَماحةِ الكرامةِ الخَلقيةِ عرضَ الحائط… تِلك الثُّلمة مِن أَزمةِ المَخازِي؛ والشرخ مِن رَزيئة المَثالِب، تَهدمُ أسورًا عَاليةً؛ وتَدكّ حُصونًا مُحصّنةً، بعد أنْ أَبدع وبَرع عقلُ الإنسان الحاذِق البارِع، في مُهمة تَأسيسِ سُرادِق بُنيانِها؛ وإحكَام تَصديرِ فخرِ عَجائبِها، إلى حَيّز الوِجود؛ مُتخَطيًا وُعُورةَ التضارِيسِ الجُغرافيةِ النّاتئةِ؛ ومُتجَاوِزًا مَشقّةَ الحُقوبِ التاريخيةِ المُتعاقِبةِ… وبالله التوفِيق، ومِنهُ نَستمدّ العون السدَاد!

* يوتيوب- عالم الأعصاب الأمريكي: د. دانيال أمين
* يوتيوب- عالمة الأحياء العصبية: نيكي كورتويج- أمستردام.. "بتصرف"
* يوتيوب- د. محمد قرملي- استشاري طب الأعصاب- المدينة المنورة.. "بتصرف"
* يوتيوب- حلقة الدوبامين- د. نمر دلول