آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:55 م

قصائد ”المشي المقدس“

أثير السادة *

فيما يشبه التسخين للحدث الموسمي الأضخم، قدم الرادود محمد الجنامي ذو الأصول الأهوازية، ثلاث لطميات تناول فيها وجوها من هذا الطقس المقدس، أي طقس الزيارة، وذلك خلال الأسبوعين الماضيين، كان كل من الأداء والنص يحاول المشي مع مشاهد هذه الزيارة المليونية، صورها وأحوالها، لا شيء في هذه الزيارة يبدو هامشا في لحظة الاحتفاء بهذه المناسبة، لذلك تستعير القصيدة أفعال الترحيب بالزوار، بمثل ما تستعير الرسائل التي تنشدها النصوص الدينية، تعبر عن فرحها بهذا الاحتشاد بقدر تعبيرها عن الحزن الكربلائي المعتق، فالحدث يملك القابلية لجعل كل ما هو نص ثانوي في متن المناسبة، نصا مقدسا يصغي له وجدان المشاركين في طقس اللطم.

بات دارجا في تصنيف اللطميات الحسينية الإشارة إلى“قصائد المشاية”، وهي تنعي فيما تعنيه تلك اللطميات المنذورة للإشارة إلى المناسبة، والاحتفاء بها، وهي قصائد تلوح غالبا بقيمة المشي والزيارة والخدمة والكرم، وفي لطميته“جاء الأربعين”، يستهل الرادود نشيده بالقول“أهلا بكم في كربلاء العالمية”، ملوحا ببيانه الأول عن صورة المكان التي يقترحها الزوار الذي يتوافدون في هذا الموعد من كل عام، قبل أن يعرج ناحية التباهي بخدمة الزوار، ومع كل انعطافة في القصيدة تتمايل أنغام الرادود والإيقاعات المصاحبة والتي تبدو ضرورة للتحضير الطقسي والدفع بالجموع لتحقيق حضورهم داخل المشهد.

كل شيء في هذا المشهد قابل للمسرحة، أداء الرادود، تفاعل المشاركين في طقس اللطم، الانتقالات بين فضاء النص وفضاء الجسد، فضاء الحزن وفضاء الحماسة، فالقصيدة هنا لا تريد مغادرة المشهد دون ممارسة الحجاج والتذكير بالأحاديث الداعمة لهذه الزيارة.

“هلا بأربعينه”قصيدة أخرى للجنامي يستمر فيها العزف على وتر الخدمة، لكنه هذه المرة يتغنى بهذه العلاقة بين الحسين ومحبيه، بفطرة العجايز على حد وصفه، بعد أن يشدد على الوجه العربي لها وهو يفترض الحسين شيخ عشيرة، القصيدة تفيض بأحوال الحماسة، وكسابقتها تبدو أحوال الحزن غريبة عنها، إلى القدر الذي تبدو فيه اللطمية مصممة لتسخين العواطف تجاه استقبال الزوار، وتأصيل الرابطة العاطفية مع الحسين، الأمر الذي سيستمر مع لطمية“درب العشق”والتي استثمرت كثيرا في طاقة الايقاع في وصلات الترنم بإسم الحسين، وذلك ضمن موكب ليس ببعيد في مسماه عن محتوى القصيدة وأعني ”هيئة وصال العاشقين“، فكأن المشهد برمته يمشي في ذات الطريق، وذات اللغة، لينتج صوره المشتهاة في هذه المناسبة.

هذا كله ليس بمعزل عن طبيعة الحدث الأربعيني، والذي يجري هندسته كحدث اجتماعي بالدرجة الأولى، وسياسي بالدرجة الثانية، وديني بالدرجة الثالثة، هو مزيج من تجليات الفضاء الاجتماعي العراقي، المأخوذ بموجات التدين التي تلت سنوات السقوط، وإرادة الجموع التي تريد التشديد على هويتها، والتلويح بقوة انتمائها، في مشيها المليوني باتجاه المقدس، ضمن تقاليد دينية وأخرى اجتماعية، ومثلها تقاليد جلبتها موجات الميديا الجديدة والتي جعلت من كل شيء حدثا مهيئا لأن يكون صورة فظاهرة فسلوك له قابلية السحر والتأثير..