آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

انتهت المهلة

سعيد الميداني

يحكى أن رجلًا قد أقرض أحد أصحابه مبلغًا من المال على أن يعيده متى ما غيّر الله حاله، مضت الأيام والشهور ولحقتها السنوات الطوال سنة بعد أخرى فضجر الرجل وهو ينتظر ردّ الدين، فتوجه ذات ليلة قاصدًا بيت صاحبه، وطرق عليه الباب، فخرج وهو يضحك ممازحًا قائلًا؛ أدري لِمَ جئتني! وحقّك في أيدي أمينة لا تخشى شيئًا سيعود إليك أمهلني فقط بضعة أيام، فقال الرجل أمهلتك كثيرًا وصبرت عليك أكثر وأنا أرى حالك ميسورًا الآن، ولا يوجد لك عذر يدعوك إلى عدم الوفاء بوعدك ومع ذلك وتقديرًا لصحبتنا سوف أمهلك بعض الوقت، وبعد أيام معدودة عاد الرجل لصاحبه، وطرق عليه الباب مرة ومرتين وثلاث ولم يفتح الباب، وبعد وقت طويل من الانتظار الممل خرجت خادمة المنزل، وأبلغته أن سيّدها مسافر، فسألها متى سيعود؟ قالت الخادمة؛ لا أعلم فلم يخبرنا بوقت عودته!

عاد إلى منزله والهمّ يعتصر قلبه، ويلوم نفسه كيف سلّمت ثقتي لرجل لا يحترم كلمته، ولا يلتزم بوعده، وبعد مرور شهر رأى الرجل صاحبه يتجوّل في السوق، فانطلق إليه مسرعًا، وناداه يا فلان أين أنت أتعبتني وأنا أنتظرك، متى عدت من السفر؟! أجابه صاحبه بتململ وبدون مبالاة عدت قبل أسبوع وكنت متعبًا من السفر وفضّلت الجلوس بالبيت، فردّ عليه أنت ترتاح وأنا أقضي كل أيامي متعبًا أجري وراءك من مكان لآخر، قاطعه صاحبه قائلًا، طيب طيب والآن هات ما لديك ماذا تريد منّي؟! قال له ولك الجرأة أن تسألني عمّا أريد! حقّي أعطني إيّاه، ولن ترى وجهي فقد سئمت من وعودك، قال له صاحبه: هذه المرة سأكون معك صريحًا، فقد كان سفري آخر مرّة للعلاج، وصرفت كل أموالي على الأدوية، وليس في جيبي قرش أحمر، وأحتاج مهلة أخيرة كي أدبّر لك مالك!

افترق الاثنان وعاد الرجل إلى منزله وهو شارد الذهن، ولكن هذه المرة شعر بالشفقة على حال صاحبه، وبينما هو على فراشه يقلّب الأفكار في رأسه سمع باب بيته يُطرق، خرج ليرى من الطارق، وإذا بأولاد صاحبه جاؤوا يطلبون إعفاء والدهم من سداد دينه، فقد أفلس وأصبح لا يملك شيئًا من حطام الدنيا غير جسم نخره المرض في كل أنحاء جسده، قال الرجل المغلوب على أمره: يصعب عليّ ما آل إليه حال أبوكم ولكن نقودي، وكل هذه السنين الطويلة التي صبرت فيها من يعوضني عنها، فقالوا له؛ والدنا مسجّى على فراش الموت، وقد يفارق الدنيا بأي لحظة اذهب إليه وخذ حقّك منه، فقد ورّطك وورّطنا نحن في كل مشاكله المالية.

لم يمهله الموت أكثر من يوم واحد، فقد انتهت مهلة الانتظار، وفارق صاحبه الحياة، وانتقل من دار البقاء إلى دار الفناء، إلى حيث الحساب بلا عمل، إلى حيث لا ينفع فيها «ربّ ارجعُون»، وقُرعت أجراس المحكمة الإلهية معلنةً نشر الصحف والسجلّات واجتماع الخصوم تأهبًا لنطق الحكم في قضايا الحلال والحرام وحقوق الناس المنتهكة والمسلوبة.