آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ

المهندس أمير الصالح *

كذب الطفل الغض الصغير غير كذب الرجل البالغ المدرك لما يفعل ويقول لا سيما إذا كان الكاذب تاجراً أو إعلامياً أو طبيباً أو غير ذلك. فالتاجر مفترض أن يكون أمينا على مواد الطعام والبناء والمعدات التي يشتريها الناس منه والإعلامي مفترض فيه الأمانة عند نقل الأخبار للناس والطبيب مستأمن على أرواح الناس. فقد يكون كذب الطفل الصغير هروبا من العقوبة أو هروبا من الالتزام بالواجبات المدرسية أو بأمر من شخص قد هدده ويهدده باستخدام العنف ضده. ولكن كذب الرجل / المرأة البالغ /ة لاسيما التاجر والإعلامي منهم والمحب للمال حبا جما والغير ورع منهم قد يؤدي كذبه لانتشار مرض أو تسميم أبدان الناس أو إزهاق أرواح أو ترويج دواء فاسد أو خيانة وطنه أو تفتيت أمة يُنسب إليها أو تمييع أخلاق جيل يقتدي به أو تمزيق مجتمع أو انطلاق فتنة واقتتال داخلي بسبب تضليله. وأعظم تجارة في هذا الزمان هي تجارة الإعلام المضلل والأخبار الغير مُحققة وتزييف الأمور وإثارة الفتن على المطمئنين. فبعض الصحفيين المغمورين أو محبي البروز بشكل مستمر يختلقون أنباء كاذبة وروايات مفتعلة تحت مسمى السبق الصحفي Breaking news. فيدلسون ويُكذبون ويضللون القراء والمشاهدين والمستمعين، وحتى يضللوا الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بإيراد أنباء كاذبة أو مفبركة ”gaslighting“ دون مراعاة لأخلاق مهنة ولا تأنيب ضمير ولا خشية ردع قانون ولا خشية قيام مساءلة عادلة ضدهم.

في منطقة الشرق الأوسط، تعرضت شعوب في حوض البحر الأبيض المتوسط وحوض دلتا نهري دجلة والفرات والشمال الأفريقي لشبه إبادة بالنار وتهجير متعمد؛ بسبب خبر أحادي المصدر أو تقرير مُختلق ثبت مع الأيام عدم صحته وعدم وجود ما يسند الخبر من وثائق وحجج دامغة. فأزهقت مع شديد الأسف أرواح عشرات الآلاف وهُدمت مدن، وحُرقت أحلام أجيال، وسُحقت أبدان وهُجرت مجتمعات، ودُمرت مبان ودور ومساجد، ونُهبت ثروات وأشعلت حروب، واستنزفت موارد وسُلبت أموال. وضاعت مطالب تقصي الحقيقة بين طبول الحرب وأصوات البارود وتراشقات المدافع ونبال الصواريخ من جهة، ومن جهة ثانية اشتغل المكر والدهاء والخديعة والمماطلة والنفوذ وانحيازية الوسطاء حد الصلافة. ولم تُعقد أي تحقيقات صحفية مستقلة عادلة تغنى بها البعض ردحا من الزمن بعد أن عول عليها البعض آمال كبيرة، فضاعت الحقائق وطويت السُجل، ودفنت الضحايا وشردت الأنفس المتبقية بين لاجئ ومخيم وشتات، واستبد الجزار بالضحايا. ولعل أكبر ضحية حتى الساعة هي استباحة أرواح عربية وأراض عربية وخيرات أبناء العرب والقومية العربية ذات الصبغة الإسلامية وترملت نساء، وتيتمت أجيال وتبعثرت آمال. نشعر كعرب بأننا أصبحنا الحلقة الأضعف بين الأمم، وأن تمادي الأمم الأخرى على استخدام ساحات أواطن العرب مسرح تجارب لكل شي.

ألم يأن الأوان لوضع حوكمة عالمية لمراسلي وكالات الأنباء، لا سيما لكبريات وكالات الأنباء العالمية وبعض مراسليها ممن ثبت عليهم تزييف الوقائع وتحريف الكلم عن موضعه. ألم يأن الأوان لمسائلة كل ما يردنا عبر مراسلي بعض وكالات الأنباء، لا سيما لكبريات وكالات الأنباء العالمية ذات الأجندات الغامضة والمصالح المتداخلة مع الأعداء بعد ثبوت تورط بعض مراسليهم في تزييف الحقائق وخلق المبررات للأعمال الشيطانية ضد أبناء جلدتنا. ألم يأن الأوان لحجب أولئك المراسلين وتجريدهم من تصاريح مزاولة أعمالهم ومحاكمتهم أمام الملأ والقصاص منهم. ألم يأن الأوان لذوي العقول في كل مجتمع أن يستفيدوا من الدروس، ويفعلوا الآية الكريمة ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: آية 6].

لقد نجح بعض المراسلين لبعض كبريات وكالات الأنباء على تزييف الحقائق، وعلى اللعب على مشاعر الناس، وعلى تأجيج أرواح الأشرار على الأخيار، وعلى خيانة الأمانة، وعلى التقول بغير الحق، وعلى التضليل وعلى إعطاء الذرائع الكاذبة لسفك الدماء البريئة الآمنة. هل يمكن أن تسير أساطيل جيوش في أتون حروب؛ بسبب تقرير صحفي واحد؟!

لعل البعض منا استهان أو لم يكترث بتجار السبق الإعلامي الصحفي الوارد على لسان بعض وكالات الأخبار الدولية عند إطلاق أخبار كاذبة، ولم يقف العديد منا من قبل على تبعات ذلك الكذب المقصود والمبرمج وما يقدم من تضليل للرأي العام العالمي. ولكن نسأل أولئك الكذابين من المراسلين إن كان ما زال لضميرهم بقية حياة: ماذا ستكون مشاعرهم وردود أفعالهم لو انقلب عليكم الزمان، ودارت عليهم رحى الأيام، واستخدمت ذات الأدوات والأساليب ضدهم، فهل يرضون أن يتجرعوا من ذات الكأس؟!

لقد عانت بعض الدول العربية المستقرة من استهدافات بعض الصحف والوكالات العالمية المتحالفة مع أعداء الأمم العربية في مواطن عديدة. وحان الوقت لتمحيص ما يردنا من تقارير وأنباء من تلكم الدول المنحازة؛ لأن بعض مراسليهم لا يريدون بنا خيرا. حفظ الله البلاد والعباد من شر الفساق. ونسأل الله سرعة الفرج لأبناء قوميتنا في فلسطين الأبية.