آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 1:36 ص

هل لعلم الفقه مزيّة على سائر العلوم؟

علي شكري آل سيف

قبل سنوات كنت أستمع إلى أحد الحوزويين جزاه الله بالخيرات وكان هذا الحوزوي يدّعي أن نفس أهل البيت قد أعطوا علم الفقه امتيازا على بقية العلوم وأولوه عناية استثنائية وللتدليل على ذلك أرجع الحوزوي الحاضرين إلى كتاب الكافي وهو الكتاب الحديثي المهم حيث سيجد القارئ أن خمسة من مجلداته من أصل ثمانية وضعها مصنف الكتاب للبحث عن أحاديث الأحكام بينما تكفلت الثلاثة الباقية بما سوى ذلك مما يشير إلى أن نفس أهل البيت قد أرادوا هذه الموقعية الخاصة لعلم الفقه على حساب غيره من المعارف.

والمُلاحظ أن نفس الروايات الشريفة تباين الدعوى التي استبطنتها هذه المقالة حيث لدينا الكثير من الروايات التي تُعلي من شأن معارفَ أخرى كعلم الحديث على سبيل المثال بل وتمتدح علماء أجلّاء في غير مضمار وغير حقل كهشام بن الحكم مثلا مما يعني أن أعيان أصحاب الأئمة لم يقتصروا على زمرة العارفين بالأحكام الشرعية بل يمكن القول أن أهل البيت قد أرادوا أن يكون في أصحابهم علماء في شتّى المجالات العلمية بما يشمل العلوم الطبيعية فضلا عن العلوم الدينية.

وفيما يخص مضمون الطرح السالف فيمكن التعقيب عليه بالقول:

إن الصادر من المتحدث استقراء ناقص لا يمكن صيرورته دليلا على المطلوب؛ لأنّا لو عاينّا بعين التدبر كتاب البحار - وهو كتاب حديثي لا يقل عن كتاب الكافي أهمية وشأنا - سنجد بعد النظر والتأمل أن كتاب البحار تجاوزت مجلداته المئة ولم يكُ للفقه نصيبٌ إلا قرابة عشرين مجلدا لا تزيد على ذلك فإذا قسنا هذا الكتاب على ذاك خرجنا بنتيجة معاكسة!

مع الالتفات إلى أن هذا قياس كتاب حديثي بكتاب حديثي آخر وبإمكاننا أن نترقّى فنقول:

إن المشهور بين المذاهب الإسلامية أن عدد آيات الأحكام يبلغ خمسمائة آية - ولو تقريبا لا تحقيقا - من أصل ما يزيد على الستة آلاف آية وهو مجموع آيات القرآن الكريم هذا مع عدم تكرار عدّ البسملة.

وذلك يعني أن نسبة آيات الأحكام لمجموع آيات القرآن الكريم هي نسبة واحد إلى اثني عشر تقريبا، فإذا اعتمدنا المقياس المادي للكثرة والقلة فهل معنى ذلك أن آيات الأحكام تقصر أهميتها عن غيرها نستعيذ بالله وهل من قائل بذلك؟!

ولا يفوتني التنبيه على أمرين مهمين وهما:

أولا/ رواية ”ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام“ وما ناظرها من الروايات في أبواب الحج وفي غيرها مما يتضمن امتداح علم الفقه وبيان شأنه وعلوّه وعظمته لا يعني بالضرورة تمييز هذا العلم عن جميع العلوم الأخرى كيف وقد ورد أن معرفة الله تبارك وتعالى لها الأولوية مضافا إلى أن إثبات الميزة لعلم الفقه لا تعني نفي ذلك عمّا عداه، وثمة مجموعة من الروايات يُحتمل قويا إرادتُها للفقه بمعناه اللغوي وهو «الفهم والعلم» نظير قولهم ”الفقه مفتاح البصيرة“.

وثانيا/ أن المرويات المادحة للفقهاء إنما يُقصد بها علماء الدين كل الدين عقيدةً وتفسيرًا وحديثًا وفقهًا وسلوكًا لا خصوص العلماء بالأحكام الشرعية.

وإثبات مدلولية لفظ «الفقيه» في عصر النص - الممتد حتى بداية الغيبة الكبرى - على خصوص العالم بالأحكام دونه خرط القتاد.

ولعل هذا أحد أسباب الجدل في تحقيق مدلول آية النفر.

وبناء على كل ما تقدم نقول: الحق الذي هو كالشمس في رابعة النهار كون الدين منظومة متكاملة بمختلف معارفه الوحيانية.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من خدام دينه الحنيف إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.