آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

مناحي الاختيارات العقلانية الثلاثة.. بين القبول والصدود.. حدثٌ وحديثٌ ”64“

عبد الله أمان

لَقد شدّ انتباهِي كَثيرًا، بغِبطةٍ غَامِرةٍ، ونَشوةٍ حَاضِرةٍ، رَنينُ دِيباجةِ المَقولةِ النفسيةِ التربوية الفاخِرةِ للأستاذ الدكتور طارق الحبيب، استشاري الطبّ النفسي، والخَبِير النِّحرِير، عِندمَا سُئل ذاتَ مَرّةٍ في ”جُمعةٍ شَبابيةٍ“ عَن كَيف يتأقلَم الشخصُ الذي يُواجِه ”التنمّر“ مع مَاثلِ الوَضعِ القائم، في زخمِ وَسائل التواصل الاجتماعي…؟! فأجابَ الدكتور بتَواضعٍ وصِدقٍ مَلحوظَين: «الإنسانُ يَختارُ مَا يَرى؛ ويختار ما يَسمع؛ ويختار ما يَشعرُ به…» وكَعادتِي ”التأمّلية“ المُتواضِعة، لم أمرّ على مِثل وَميضِ نبضِ تلك العبارةِ الصّريحةِ بحَلقاتِها الثلاثِ الخاطفةِ مُرور الكِرام، بل رُحتُ - بتأمّلٍ وتدبّرٍ - آنيين، استجلِي أُسسَ مَعانِيها العقلانية الجميلة؛ واستقصِي أبعادَ مَرامِيها الأخلاقية البعيدة، في جَوف مِنطادِ ”توريةٍ“ أدبيةٍ مُحصّنةٍ مَحضةٍ، سَابحةٍ بحرّية، في عَنان سَدَيم الأُفق البعيد؛ لأُرتّب وأُصنّف رَيعَ صَفو خُلاصاتِها التربوية الانتقائية الهادِفة، في رَديفِ أجوافِ كَبسُولَاتِ قَوالبِها الحكِيمةِ الذكِيةِ، وأنصالِ قوائمِها النيّرةٍ التربويةٍ، ذَات مُستوى القِيمٍةِ العاليةِ، ومُحتوى ريعِ الدَلَالَاتٍ، والمَقاصدَ، والمَفاهيم الحَيويةِ الاعتبارِيةِ، التي ترقَى بأريحيةٍ ذاتيةٍ إلى سَماحةِ القَبولِ؛ وتحظَى بشَفافيةٍ مُتواضعةٍ، بسَلاسةِ النّفوذِ؛ لتسمُو شَرفًا إلى عُمق تجلّيات مَنازِلَ، ومَراقِي، ومَراتِبَ العقل الواعِي، الذي تتنامَى عَطاءاتُه الجمّة، بفائقِ مُخرجاتٍ ناضِجةٍ في مُعتركِ جَودةِ السّلوكِ المَحمُودِ؛ وتعلُو أنبل مَحاسِن مَساعِيه المَحبُورة، بمثاليّاتِ مَتانةِ ورَزانة، أصول المُعاملات الإنسانية الحسَنة، في صُلب رَحِم الكرامةِ الإنسانيةِ، ومُتّسع حِياضِ الشهامةِ الاجتماعيةِ الأصِيلين؛ لِتصُبّ برمّتها، في غايةِ صَميمِ وعَميمِ أُطُر أَنيقِ وبَريقِ سَجايَا مُتحضّرةٍ، مِن أنبلِ وأفخمِ فَنيّاتِ التواصُلِ الاجتماعي المُعاصر المُتحضّر، في ظِلال إشراقاتٍ ثقافيةٍ مُثلى، يُشار إلى قَطيفِ زَخَم أخلاقِها السامِية الشاخِصة، بقائم البنان…!

ولَعلَّ مِن خاصّةِ رَصينِ نافلةِ القَولِ، أنّ أنساقَ مُثيراتِ، وأنضادَ مُحفّزاتِ ”مِيكانيكية“ طبيعة الانفعال السّوِي اللّحظِي؛ وإثارةِ حِدّة الغضبِ المُضطّربِ اللّفظي؛ واستمالةِ مَا يُلامسُ مُصادفةً، هَالةَ أحداق عَيني الناظِر؛ ويَنسابُ اختراقًا، إلى أُذنَي السامِع؛ ومَا يتفاعَل وُرُوده اتّساقًا، مَع طبيعة زخم استجابات الشخصين المذكُورين، في دَواخِلِ مَشاعِرهِما الهادئة، ومَا يُخامِر سَرائر خواطِرهِما الجيّاشة… وهُنالك تَتمّ وتُبرَم عَمليات التفاعُل؛ وتُسكّ فَنيات التواصُل الاجتماعي بشِقّيها: الإيجابي: باستِهناءِ واستلطافِ، حُسن سَويّتِها المَقبولَة المَحمودَة؛ والشقُّ السلبي: يَدُبُّ في رَينُ مُخرجاتها النّتِنة باضطرابِ واختلالِ برَديء قائم نزعتِها المَذمومَة المَنبوذَة... وهُناك بالمُقابل: عَوامل، وأَسباب، ومُحدّدات جَوهرية المَنشَأ، ودَاخلية المَورِد، تَسمَح وتَقدَح ”زِناد“ سَماحةِ اللّياقة الفِكرية للشخصِ الأول؛ لَتيصرّف - بتفوّقٍ وإجادةٍ - لِتتفتّح مَصارِيعُ بصيرتهِ الحاذقةِ، على أَعين، وآذان، ومَشاعر الآخرين، مِن حَوله؛ أمّا الشخص الثاني المُتذَبذِب، فتَضيقُ في صُعُدِ سَاحةِ آفاق مَواقِفه الفِكرية الهائجةِ تِيهًا، في حَضرته المُنفعلة، في ثلاثيةِ حَاضرِ ”الحَواسِ“ المَعنيةِ؛ لتنفرَ مِنهُ جَذبُ النفوسِ؛ وقد تُصمّ وتَخرسُ عِند مَجلسهِ رُودودُ الألسنِ الرصِينة إحجَامًا، عَن مُجاراتِه؛ وتَعزِفُ استجابةُ الآذانِ الصاغيةِ لِزامًا، عَن سَماعِ حَديثِه؛ وتزهَدُ رِقّة المَشاعر المُرهَفةِ صُدودًا مُترفّعًا، عَن قَبولِ شخصِه، جُملةً وتَفصِيلًا… هَذان المَوقِفان المَاثِلان المُتضادّان، يقُودان الذائقةَ السامية، للباحث المُتخصّص، والمُنظّر المُتبصّر اغتِنامًا، إلى فَهمِ وانتِهاجِ مِيكانيكيةِ مَبحثِ إدارةِ ضَبطِ الانفعالِ، ومِثلها السيطرة على مّنحى الغضبِ الظاهِرين…!

هذا، وتبدو إدراة حَالاتِ الانفعالِ، وَاضحةً جَليّةً «في مُعترك التعامُل النفسي الأمثَل، مَع تقبّل النقد السلبي؛ واستلطاف خواطِر النقد الإيجابي مَعًا، في وَزنةِ كفّتي مِيزانٍ مُتساويةٍ مُتزامنةٍ بمشاعرَ مُتوازنةٍ مُتناغمةٍ، مَع مَواقفَ ومَقاصدَ طبيعة المّنبع المُثير لنوبة الانفعال بشقّيها البارزين: السلبي والإيجابي… خاصّة هَبّة النقد السلبي المُباشر، لِمَا يَتطلّبه ويَنشده مُتقمّصُها، مٍن نظامَ السعي إلى برمجةٍ داخليةٍ، تضبِط أفكارَه؛ وتتحكّم بمشاعِرَه؛ لِترقَى بمكاسِبها المحمودة، إلى إطالة بؤرة التفكير المُتأمّل المُنفتِح؛ لتَخرج ”فَلتَرة“ انفعالات العكِرةٍ، في خُلاصةِ شَهدٍ مُصفّى، لَا تشوبه شائبة…. وهُناك تَسمو وتَعلو باتّساعٍ مَلحوظٍ مَشهودٍ، سِيادةُ ”الموضوعيةِ العقلانيةِ“ على مُستهجناتِ امتِهانِ ”الشخصَنة“ الممقُوتة الماثلةِ في تدهورِ إدرةِ السيطرة على الانفعالِ ذي الطبعِ المُثِير المْستفز المُغضِب؛ وبَدلًا عَن نزعة ذلك السلوك الآخرَق الأحمَق، يُبادر مُتقمّصه - بِوعي وسَعي - إلى انتهاج مَنحى مَحاسِن السيادة الموضوعية، ذلك الدّيدَن العَقلاني، يُظِهره اكتسابًا، كَمنهاجٍ كَامنٍ، في صَميمِ دَواخلِ كِيان انضباط المشاعر الهادئةِ المُستقرّةِ… ومِن أبرزِ فنياتها المُعتَبرةِ المُحترَمة، هنيهات السكُوت المُستطرِد المُذيّل بتَصفيةِ وتَحليةِ

إظهارِ أجودِ الردُودِ الاختيارية النموذجية؛ وإشهارِ أرقَى الاستجاباتِ الانتقائيةِ الراقيةِ… ويُضافُ إلى سلسلةِ قائمةِ تلك الفنيات الشّاخصة حُضورًا والمُكتسبة تَداولًا: التركيزُ على فنّ إدارةِ الحِوار الهَادئة؛ ووَأدِ فَورةِ إذكاءِ السلبيةِ المُتأجّجةِ، في مَنابع نَحرِها، مَا استطاع الطرف الإيجابي المُحاوِر إلى ذلك سَبيلًا… وُصُولًا مُسدّدًا، إلى تحفِيز وتعزِير مَسالكَ، ومَنافذَ البرمجةِ النفسيةِ الروحيةِ؛ واحتِساب عُنصر الصّبر، مُفتاح ظافر؛ للسّمو بجبلّة ذائقةِ كرامةِ النفسِ المُبشَّرةِ انشراحًا وانفراجًا، برضَا الخالق، عزّ وجلّ… ليتَتصدّرُ إدارةُ الانفعالِ السلبي، في ثَرى صَعيد الضفّة الحَاسمةِ المُقابلةِ، إلى كَسر شوكتِه الواهِنة الهشّةِ، بالتحلّي العقلاني المُبرمَج، بسَجايا ومَزايا مَنهجيةِ الحَزمِ الضابطِ المُنضبطِ؛ وتَسيِير، وتعدِيل دِفافِ المَسارِ السلوكي ”الهائجِ المائجِ“ المُتسلّل مَع نوبةِ فَوران طُوفان حِدّةِ الهَياج الثائر؛ وتَدجِين وَطأةِ غَضبِ الطّيشِ المُنفّرةِ الرعْناء، بعَميمِ قضّهما وقَضِيضِهما…!»

ولَعلّ في مُتّسع مُنتدى الحديثِ الشائقِ الرائق عَن نزعةِ الغضبِ المُستحوِذة، يَصِفها ويُصنّفها العلماء النفسانيون على أنّها إحدى مَشاعر انفلاتِ الانفعالات والاستجابات عَن سَيطرة وإدارة المشاعر الداخلية، المتّزنة، بمُستوَيين رئيسيّين: طبيعي مُبرّر، بشكله العَقلاني المَحمود؛ أو مُفرِطٍ وِاهٍ، بشكله المزاجِي النّزق، غير المُبرر… فالطبيعي، هُو مَا يُوافق صِدق الفِطرة؛ ويُطابق استقامَة المشاعر ومِثاله: نُصرةُ الحقّ، عِندما يَستشرِي الظلم، وتَسودُ الرذِيلة؛ وكذلك الذّوذ الذاتي عن حِياض الوطن، عِندما يتعرّض لانتهاكٍ خَارجي؛ عِندئذٍ تَسرِي وتَستشرِي مَوجةُ الغضب الجماعية العامّة العارمَة، بنَفرتها الهَائجة المَائجة، لِتعمّ مَن يَهمّهُم شأن حِمى الوَطن وأمنِه…! أمّا مَوجة فورة الغضب غير المُبرّرَة، فهي فرطٌ مِزاجيٌّ، لَا مُسوّغَ، ولَا مُوجِبَ لها… وهنا يطولُ بنا الحديثُ المُفصّل عن استقصاء وتتبّع أشكال وأنماط ”ميكانيكية“ الغضب الظاهرة، في قائمة مَنحى السلوك المُتداول المُعتاد!

وقد يرى الشخص الغاضِب الغافِل أنّ انتهاجَ حالة نوبة الغضب، وإحلالّها مَنزلة الهدوء النفسي، والرزانة الاجتماعية، هي الحل الوحيد المُنقذ لمُواجهةِ ومُجابهةِ زخم المَشاكل والمَتاعب النفسية والاجتماعية… غير أنّ واقعَ الحال، عكس ذلك المَنحى تمامًا؛ «وعلى الشخص المُبتلى، أنْ يُدرك حقيقةَ صراعات الماضِي، وتحديات الحاضِر؛ ويسُوس تحدّيات المستقبَل، مِن وجهةِ نظرٍ حيويةٍ واقعية، مَليئةٍ بالصبر والإيمان، والأمل، والتأمّل؛ حتى لَا يقع فّريسةً هَامدةً لِهجمةِ الأوهامِ المُستحوذةِ الضاغطةِ عليه، برفقةِ الأشخاصِ ذَوي الإيجابية العالية، وأصحاب

الهِمَم الراقية، والفِكر الإيجابي المُثقّف المُتّزن... بصدقِ العزيمة، ونقاءِ البصيرة؛ ومَا كان يرفُضهُ الشخص المُبتلى مَن جميلِ القول، وأصيلِ الفعل؛ عليه أنْ يَستبدله ويَنتهجَ فِعلَ كلّ مَا يُريح النفس؛ ويُبهج الخاطر؛ ويَزيد مِن التقرّب زُلفى إلى مَحبةِ الخالق - عزّ وجلّ؛ وكذلك محبة الناس؛ والإقبالِ علَى مباهجَ الحياة الهانئة السعيدة، بودٍ، وصدقٍ، وابداءِ أحاسيس مُتفائلة ذاتية، مُنسجة مُبرمجة، مَع ذائقة السلام الداخلي؛ وأنْ يُظهِر مشاعر الحُبّ الصادقة، تِجاه مَن لهم بَصمة، ووَقفة، ورَحمة، في مَاضي وحَاضر حياته المُعاصرة؛ لينعكس ريعُ تلك الأيجابيات الناصعة المُشرقة برمّتها، على دَواخلَ النفس، واستقامَة السلوك، والتحسّن الملموس في دواخل ذائقة المزاج…» وبالله التوفيق!

* يوتيوب- أ. د. طارق الحبيب- إدارة الانفعالات برؤية نفسية- برنامج "يا هلا" "بتصرّف ومزيّدة"
* يوتيوب- محمد عصام محو- علاج الغضب والعصبية- برنامج لقاحات حياتية "بتصرّف ومزيّدة"