آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

خرائط

المهندس أمير الصالح *

في سابق الدهور كان الوصف النقلي لخارطة المكان المُراد بلوغه هو السائد بين الناس. أما في عصر التقنية الحديثة، فإن أغلب قائدي المركبات حول العالم، لا سيما خدمة توصيل الطرود والأطعمة الغذائية وسلاسل توريد الموارد وتحديد أماكن الفنادق يعتمدون على تطبيق GPS ومرادفاته لبلوغ محطاتهم المنشودة بسلام وكفاءة وأقل تكلفة. ومن تطورت لديه مهارة استخدام تطبيق GPS, يختار أسرع طريق مع طلب تفادي مناطق الازدحام أو التكدس المروري.

وفي حياتنا العملية اليومية والمهنية تعددت أنواع الخرائط في حياة كل إنسان. فهناك: خارطة المنزل، وخارطة المُجمع، وخارطة الإخلاء لطوارئ للمباني، وخارطة التربية للأبناء، وخارطة التعليم، وخارطة رحلة السفر، وخارطة المستقبل المهني، وخارطة الاستثمار المالي، وخارطة العلاقات الدولية بين الدول، وخارطة طريق الحرير التجاري، وخارطة تصدير النفط، وخارطة تدفق الأموال بين المصدرين والموردين، وخارطة التفاوض … إلخ.

ومن جميل وجودنا في هذه الأرض، أن ينجح كل إنسان منا في رسم خرائط عدة لبلوغ أهدافه بأقل جهد وأسرع وقت وأكثر كفاءة وأعلى مردود. وأفضل وأهم خارطة في حياة الإنسان المؤمن بالآخرة هي خارطة الطريق نحو بلوغ رضى الله والجنة في الدار الآخرة. والخارطة لبلوغ جنة الله «جل جلاله» رسم طريقها الله بمن منه ورحمة وتفضل. وقيد الإنسان بتلك الخارطة لعلمه بأن الإنسان غير المعصوم من الله أن تدخل برسم تلك الخارطة فإن لديه نوازع وأهواء وشهوات وتضارب مصالح وتذبذبات ومزاج متقلب وانحيازات تفضيلية وعواطف متشرذمة.

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن: آية 23].

من جميل معتقد أهل الفلاح في الدنيا هو الإيمان بعصمة الرسول ﷺ وأن تلك العصمة ارتقت إلى درجة أن عصيان النبي محمد ﷺ بمنزلة عصيان الله جل جلاله. ووكل الله أنبياءه في تبليغ رسائله، وكان النبي محمد ﷺ هو من أوصل لنا خارطة الطريق لبلوغ رضى الله والأمل بإحراز جنة الله التي عرضها السموات والأرض. فطهارة المعتقد تعني إيمان أعمق ووضوح أكبر لمعالم الدين ورسوخ اشمخ وسلوك أنضج ورؤية أفصح واطمئنان تام.

قد يكون البعض من أبناء البشر جُبل على حب المصالح الفردية والشخصية وغلبها على المصالح الجماعية. وقد يصل بذاك الشخص المبالغة في حب مصالحه من خلال توظيف الدين وتوظيف مبادئ العلمانية وهوامش الحرية والعلوم المالية إلى ابتداع أمور وزرع معالم لم ينزل الله بها من سلطان، ولم يوصي بها رسول كريم ولا نبي عظيم ولا عاقل حكيم، فاستحدث ذاك الشخص ما استحدث وابتدع ما ابتدع ليستكثر عدد تابعيه، أو يملي جيوبه من المال والنفوذ. وصفق له من صفق من المستفيدين عبر التاريخ، طمعا في حطام دنيا وتقربا للحظوة بحفنة من مكاسب دار الحطام. فأضاعوا أنفسهم وضيعوا آخرين عبر الأزمان لأن خرائطهم أدت وتؤدي للهاوية.

فالعاقل الرشيد يهتدي بما ورد في القرآن الكريم وما صح وروده على لسان الرسول العظيم ﷺ في تناغم تام في روح الأفكار والمقاصد ودون أي تصادم. وفي حالة ورود رواية أو إدعاء عمل يتناقض وروح نصوص القرآن الكريم مع الأحاديث المروية فإن القرآن الكريم أولى من الرواية والله أعلم لما جرى على الناقلين للرواية من تقلب القلوب.

نحن جميعا ننشد الانسجام في مشهد جميل نراه أو أكل لذيذ نتذوقه أو مقطع صوتي نسمعه. ولكن مع شديد الأسف البعض من الناس يجيد التحايل في جمع المنقصات وتكدير نقاء الصورة وسوء رسم الخرائط المؤدية إلى رضى الله «جل جلاله». وعلم الله بباطن الأمور، فقد أردف بعد رحيل النبي ﷺ بوجود أوصياء أوفياء وأمناء صادقين ومعصومين من الزلل لتذكير الناس بخارطة الطريق نحو رضى الله وبلوغ محطة الجنة. قبل عدة أيام ابتهجنا بذكرى المبعث النبوي الشريف لأن الله استنقذنا بالنبي من الظلمات إلى النور. ووفاء من النبي ﷺ بضمان وجود خارطة الطريق إلى الجنة استوصى بالصادقين من أبناء الكون خيرا بأن يتمسكوا بأهل بيته الشريف ، كما ورد في سورة الشورى، ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ [الشورى: آية 23].

ومع وجود أطياف شتى من الأفكار وتعدد أصناف الأشرار وانتشار الرذائل وتعدد تفرعات التناقضات من المستحق الآن طرح سؤال عام: أي خارطة تود أن يهتدي بها الناس لبلوغ رضى الله في هذا الزمان، خارطة التمسك بأصحاب القيم أم خارطة السعي وراء أهل المصالح، حتى لو أتت على هدم القيم؟