آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

إنما هي نفسي أروضها...

المهندس أمير الصالح *

يلهج أهل الحب بذكر حبيبهم ليل نهار، وتعرج أرواح العاشقين إلى معشوقهم في كل وقت

، وكأن أجسادهم موجودة رسما بيننا وأرواحهم معلقة في الأفق الأعلى متطلعه لما عند الله جل جلاله يأسه فيما عند أيدي الناس. الله جل جلاله حيث العظمة والملكوت يحب أن يرى عباده الصالحين منقطعين إليه بالدعاء والتبتل والمناجاة والتوكل والسعي وطلب التوفيق وسعة الرزق والعافية والصحة والمال والذرية الصالحة.

يردد أهل التقوى بقلوب صادقة أدعية جميلة ومميزة خلال يومياتهم ولياليهم واشهرهم وعلى مدار الأيام من أعمارهم دون كلل أو ملل. واثقين كل الثقة بما عند الله جل جلاله. والأدعية والمناجاة والأذكار اليومية والاستحبابات العبادية والاستحقاقات العملية تأتي ضمن حزمة برامج روحية وإعداد نفسي سلس تقوى شوكة التقوى في قلوب المؤمنين. فينطلق الصالحون في شهر رجب من كل عام بالدعاء والعمرة الرجبية في بيت الله الحرام وتعاهد زيارة رسول الله ﷺ ويعكفون على المناجاة الشعبانية والصدقات للفقراء واستحباب الصوم ويصلون الذروة بصيام شهر رمضان المبارك وتوزيع الطعام على الفقراء وتبني مشاريع الخير وتعاهد قراءة القرآن الكريم. وهكذا برامج هي برامج تأهيل وإعادة تأهيل لترويض النفس الإنسانية بتقوى الله العلي القدير والانتصار على جوامح الشهوات ومواطن فخاخ الشياطين وزيف إغواء خضراء الدمن وتضليل شرار الجن والإنس في العالم الواقعي والافتراضي. ومن الجيد استعراض بسيط جدا لبعض تلكم الفقرات. فمن جميل كنوز الأدعية ما ورد عن نبينا محمد ﷺ وآل بيته الكرام ويلهج أهل الفلاح بقراءتها وتعاهد سماعها، ومنها على سبيل المثال:

في شهر رجب وسائر الأيام:

دعاء الصباح: َ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ بِنُطْقِ تَبَلُّجهِ، وَسَرَّحَ قِطَعَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ بِغَياهِبِ تَلَجْلُجِهِ، وَأَتْقَنَ صُنْعَ الْفَلَكِ الدَّوّارِ فِي مَقادِيرِ تَبَرُّجِهِ، وَشَعْشَعَ ضِياءَ الشَّمْسِ بِنُورِ تَأَجُّجِهِ، يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجانَسَةِ مَخْلُوقاتِهِ، وَجَلَّ عَنْ مُلاءَمَةِ كَيْفِيّاتِهِ. يا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَراتِ الظُّنُونِ، وَبَعُدَ عَنْ لَحَظاتِ الْعُيُونِ، وَعَلِمَ بِما كانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، يا مَنْ أَرْقَدَنِي فِي مِهادِ أَمْنِهِ وَأَمانِهِ، وَأَيْقَظَنِي إِلى ما مَنَحَنِي بِهِ مِنْ مِنَنِهِ وَإِحْسانِهِ، وَكَفَّ أَكُفَّ السُّوءِ عَنِّي بِيَدِهِ وَسُلْطانِهِ، صَلِّ اللّهُمَّ عَلى الدَّلِيلِ إِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ الْأَلْيَلِ، وَالْماسِكِ مِنْ أَسْبابِكَ بِحَبْلِ الْشَّرَفِ الْأَطْوَلِ،…. حتى آخر الدعاء

ومناجاة عدة ومنها مناجاة الشاكين:

إِلهي إِلَيْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمّارَةً، وَإِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثيرَةَ الْعِلَلِ، طَويلَةَ الأَمَلِ، إِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيّالَةً إِلَى اللَّعِبِ وَالَلَّهْوِ مَمْلُوءةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، تُسْرِعُ بي إِلَى الْحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُني بِالتَّوْبَةِ، إِلهي أَشْكُو إِلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني، قَدْ مَلأَ بِالْوَسْواسِ صَدْري، وَأَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبي، يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنْيا وَيَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ الطّاعَةِ وَالزُّلْفى، إِلهي إِلَيْكَ أَشْكُو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً،… حتى نهاية المناجاة

كل يوم:

يا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَآمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ، يا مَنْ يُعْطِي الكَثيرَ بِالقَلِيلِ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ يا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً؛ أَعْطِنِي بِمَسأَلَتِي إِيّاكَ جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَجَمِيعَ خَيْرِ الآخرةِ، واصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيع… الدعاء

في شهر شعبان حيث يقرأ الصالحون المناجاة الشعبانية ومن ضمن المقاطع الجميلة، المقطع التالي:

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْمَعْ دُعائِي إذا دَعَوْتُكَ وَاسْمَعْ نِدائِي إذا نادَيْتُكَ وَاقْبِلْ عَلَيَّ إذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُسْتَكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إلَيْكَ راجِياً لِما لَدَيْكَ ثَوابي وَتَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَتَخْبُرُ حاجَتِي وَتَعْرِفُ ضَمِيرِي، وَلا يَخْفى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ وَما أُرِيدُ أَنْ أُبْدِيَ بِهِ مِنْ مَنْطِقِي وَأَتَفَوَّهَ بِهِ مِنْ طَلِبَتِي وَأَرْجُوَهُ لِعاقِبَتِي، وَقَدْ جَرَتْ مَقادِيرُكَ عَلَيَّ يا سَيِّدِي فِيما يَكُونُ مِنِّي إلى آخِرِ عُمرِي مِنْ سَرِيرَتِي وَعَلانِيَّتِي وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتِي وَنَقْصِي وَنَفْعِي وَضَرِّي؛ إلهِي إنْ حَرَمْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَرْزُقُنِي وَإنْ خَذَلْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُنِي، إلهِي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَضَبِكَ وَحُلُولِ سَخَطِكَ، إلهِي إنْ كُنْتُ غَيْرَ مُسْتَأْهِلٍ لِرَحْمَتِكَ فَأَنْتَ أَهْلٌ أَنْ تَجُودَ عَلَيَّ بِفَضْلِ سَعَتِكَ، …. إلى نهاية المناجاة

في شهر رمضان المبارك وهو الذروة في العبادة وتربية النفس تلهج السنة الصالحين بقراءة القرآن الكريم والأدعية الشريفة والمناجاة المختلفة ومراقبة السلوك وحفظ البصر واللسان والطعام والفرج وكتم الغضب وبث المؤاخاة.

وهذا الشهر له أعمال كثيرة وردت ودونت في عدة كتب عامرة بالأدعية وقائمة بالأعمال الإنسانية المندوب على إنجازها، ومنها كفالة اليتيم وبذل الصدفات ومواساة الفقراء والتبرع بفائض المؤنة من الطعام وسقي الصائمين وإحياء ليالي القدر وتخليد ذكرى أحداث إسلامية عديدة وحسن تربية النفس وتهذيب اللسان وتنقية الروح ورص الصفوف وبذل الجهود لخلق الأفضل.

كل هذا وذاك من الصلوات المندوبة وألوان الدعوات الجميلة وفنون التبتل والانقطاع لله العلي القدير أتت لصقل النفس وتقويمها من الاعوجاج وترويضها على الطاعات وحمايتها من المعاصي. ومع ذلك يخفق البعض بسبب الرياء أو العُجب أو الغرور أو التكبر أو الغفلة أو التضليل أو الإغواء أو الاستدراج أو السذاجة.

في الحقيقة، ليس غريبا أن تسمع جزء أو كل المقاطع لتلكم الأدعية الجميلة عند طوافك ببيت الله الحرام بمة المكرمة أو عند سعيك بين الصفاء والمروة أو عند سماعك لنقل وبث بعض قنوات التلفاز لصلاة الجمعة في الدول الإسلامية. وقد ينسب البعض لبني ملته تلك الأدعية والمناجاة لجمالها ونقائها وعذوبة كلماتها وصدق تعابيرها وسلاسة سلمها الموسيقي وترابط معانيها وجزالة تعابيرها ووضوح معانيها وترقيق قلوب المستمع لها. وإن حدث وإن رأيت أو سمعت بإذنك ذلك فاجعل نفسك مبتهجة ومسرورة بأن صوت الحقيقة في الأدب بالدعاء والمناجاة لله التي وردت على لسان رسول الله وعلى لسان آل بيته الكرام قد انتشرت بين أوساط بني البشر من كل الملل والنحل. وإن أضاعوا بعض أهل النقل لتلكم الأدعية / المناجاة الجميلة أمانة نقل المصدر لأهلها. المحصلة المرجوة هي النجاح في خلق أنفس تقية وورعه تخشى الله وتخافه في السر والعلن وعادلة ومنصفة وأمينة. في عصر الاتصالات السريعة والعالم الافتراضي الموازي، معاهد التدريب التقني والأكاديمي بحمد الاه كثرت وتكاثرت ولكن معاهد ترويض النفس لتقوى الله «إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق - ميزان الحكمة ص 1136» تعتمد عليك أنت فقط؛ لأنها لا تعتمد على استصدار ورقة من أحد كما هي المعاهد التقنية. فانجح نفسك بنفسك بصفاء روحك وتعاهد الصدق مع ذاتك ومراقبة الله في أعمالك وأفعالك وأقوالك.