آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 5:35 م

المهرجان الأميركي

عبد الله فيصل آل ربح * صحيفة الشرق الأوسط

بدأت قصة أميركا بالحلم الأميركي الذي يصف هذا الجزء من العالم الجديد بأرض الأحلام. وخلال مراحل التاريخ الحديث، توسعت رقعة الجمهورية الأميركية لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم. قصة تطور الحلم الأميركي الذي بدأ بمرحلة «الهروب» من جحيم القحط والاضطهاد في أوروبا، مروراً باستعباد الأفارقة وإبادة السكان الأصليين، وانتهاءً بالتحول لشرطي العالم. كل مرحلة من تلك المراحل تستحق التوقف والمطالعة لنصل إلى مقاربة واضحة تشرح لنا ما وصلت إليه الولايات المتحدة اليوم، ولمن لم يطّلع على كتاب الدكتور عبد الله الغذامي «رحلة إلى جمهورية النظرية» الصادر عام 1998، فإنه يغطي عدة جوانب ثقافية للبنية الفكرية للولايات المتحدة.

حتى من لا يتابعون أخبار الولايات المتحدة، فإنهم يتابعون باهتمام - على مختلف المستويات - مسألة الانتخابات الرئاسية التي تجري كل أربعة أعوام. تلك الانتخابات التي تشغل العالم، تمثّل مهرجاناً استعراضياً يمتد لعام كامل خلال السنة الكبيسة التي تحدث مرة كل أربعة أعوام. خلال تلك الفترة ينشغل الإعلام الأميركي - الذي يغذي الإعلام العالمي - باستعراض مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ويتابعهم خطوة بخطوة من خلال تغطية تصريحاتهم واستعراض تاريخهم، بل وتواريخ أقاربهم الذين مارسوا العمل السياسي من قبل.

وإذا كانت الأشهر الأربعة الأولى من العام تمثّل عملية فرز المرشحين، فإن فصل الصيف ينبئ الشعب الأميركي - وبقية العالم - بمرشح كلٍ من الحزبين الذي سيخوض الانتخابات. وفي الخريف تبدأ المناظرات التلفزيونية التي غالباً ما تتخذ من كبريات الجامعات منبراً لها، لينتهي الأمر بالاقتراع في شهر نوفمبر «تشرين الثاني» من السنة الكبيسة، والتي تكون نهايتها بالمصادقة على الانتخابات تمهيداً لتسلم الرئيس مهامه في يناير «كانون الثاني» من السنة اللاحقة.

خلال تلك السنة، يتم التعامل مع الأحداث المتعلقة بالانتخابات بوصفها موسماً يُدر الأموال على القنوات الإعلامية التي تغطي أخبار المرشحين وخطاباتهم ومناظراتهم. هذا النوع من الأنشطة يحتاج إلى دعم قلّما وُجد خارج إطار الحزبين المتنافسين؛ لذلك يصعب على أي حزب ثالث الدخول على الخط للمنافسة، وهذا جزء من ثقافة رأسمالية تم بناؤها لسنوات عدة. تلك الثقافة تقوم على حصر المنافسة بين عملاقين يتناوبان على الصدارة كلما تغلب أحدهما على الآخر في فترة ما، تماماً مثل ثنائية كوكاكولا - بيبسي، ماكدونالدز - برغر كنغ، مايكروسوفت - أبل،... إلخ. فمهما ظهرت علامة تجارية تحاول المنافسة، فإنها ستبقى في الهامش بسبب عدم قدرتها على التنافس في الظهور الإعلامي.

إن الشعب الأميركي الذي يعتقد أنه يمارس الديمقراطية عن طريق انتخاب ممثليه في الكونغرس والبيت الأبيض، في حقيقته يمارس اختياراً بين متنافسين اثنين تم اختيارهما من قِبَلِ نخبةِ كلٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وبالرغم من أن آخر موسمين انتخابيين قد بيّنا الفجوة بين الشارع الأميركي وخيارات الحزبين، فإن الجماهير تظل وفية لحزبها بسبب استراتيجية التخويف التي ينتهجها كل من الحزبين ضد الآخر، عن طريق طرح ثوابت المحافظة عند الجمهوريين والليبرالية عند الديمقراطيين.

موسم 2024 مرشح لأن يكون الأكثر سخونة بسبب عدم وضوح رؤية الحزب الجمهوري، الذي عادة ما يحسم ملف الترشيح في وقت مبكر، وكذلك عدم ثقة جمهور الحزب الديمقراطي في أهلية الرئيس بايدن. يُتوقع أن يحمل صيف هذا العام كثيراً من التطورات الساخنة التي ستشعل الموسم الانتخابي وتضفي عليه مزيداً من الإثارة التي ستنتهي بنهاية الانتخابات.

باختصار، فإن الإثارة الإعلامية مقصودة لذاتها من أجل تكريس سلطة الثنائي الجمهوري - الديمقراطي، ومن أجل خلق مادة إعلامية يتم جني المال عن طريقها من خلال الحملات الدعائية والإعلانات.

دكتوراة علم اجتماع جامعة Michigan State University