آخر تحديث: 16 / 5 / 2024م - 11:52 م

كَلامٌ فِي «الْمِئَة» وَ «الْمِائَة»

علي أحمد المحيسن *

توطئة:

سؤال وجيه وجهه لي الصديق العزيز جدًّا الشاعر الناقد الأستاذ هاني الحسن وهوالسؤال اللغوي التالي:

كيف تُكتب كلمة مِئَاتُه؟!

استهواني السؤال فأردتُ له أن يكون بحثًا مفصَّلاً ؛ حيث وجدتُ أنهمتشعِّب ومستفيض، وقد أُشبع بحثًا عند القدامى والمحدثين، وله جذور قرآنية، فَهْوَ يستحق البحث والكتابة؛ لذا أردتُ أن أشارككم في نشره لتعمّ الفائدة للجميع.

كيف ترسم مفردة «مِئَاتُه»؟!

بداية كلمة «مِئَاتُه» جمع ، ومفردها «مِئَة» ، والقاعدة الإملائية لهذه المفردة أن الهمزة المتوسطة إذا جاءت مفتوحة بعد كسر فإنها تكتب على كرسي ؛ لأن الكسر أقوى من الفتح، مثلها في ذلك مثل كلمة : «فِئَة»، و «رِئَة».

إلا أن لهذه المفردة رسمًا آخر حيث تكتب هكذا : «مِائَة» ، مع ملاحظة أن الألف في هذه المفردة تكتب ولا تنطق ، وإنما كتبها القدامى من أجدادنا العرب بزيادة الألف خشية أن تُقرأ خطأ بسبب «التصحيف» ؛ حيث كانت تمثل مشكلة للقراء آنذاك بسبب عدم وجود النقاط والتشكيل بالحركات ، فتلتبس عليهم بكلمة «مِنْهُ» كما ذكر ذلك ابن قتيبة في كتابه «أدب الكاتب» في باب «ما زيد في الكتاب» ، مع أن السياق يحدد ذلك ، لكنهم هكذا كانوا يرسمونها وبقيت هكذا حتى يومنا هذا تكتب بالرسمين المشار لهما آنفًا.

إلا أنه ومع وجود التشكيل بالحركات اليوم فإنه لا مانع من حذف الألف من كلمة «مِئَة»؛ حيث لم يعد هناك لبس كما كان سابقًا، وقد صدرت توصيات من جهات لغوية عدة تنص على كتابتها بهذا الرسم تماشيًا مع القاعدة الإملائية ، وذلك أمر حسن حيث في ذلك مَنْعٌمن نطق هذه الألف كما يفعل البعض اليوم لتتحول من مشكلة رسم إملائي إلى مشكلةقراءة.

تساؤلان مشروعان

وهناك تساؤلان يمكن طرحهما على القدامى في إثباتهم الألف في «مائة» إذا كان هدفهممن كتابتها بالألف تفاديًا من اللَّبس بينها وبين «مِنْهُ» :

1 - لماذا يثبتونها في حال التعريف بأل التعريف «المائة»؟

2 - لماذا يثبتون الألف في حال التثنية والجمع في مثل: «مائتان ، ثلاثمائة ، أربعمائة ، وخمسمائة... الخ » ؟!

علمًا بأنها في الحالتين السابقتين لا لبس بينها وبين «منه»؟!

والأغرب من ذلك..

أجل! إن كُنتَ مثلي تجول في دهاليز الاستغراب فإليك هذا الأمر الأغرب من ذلك كله، خاصة إذا ما علمت أن هناك من يكتبها «مِأة» كما ذكر السيوطي في كتابه «همع الهوامع» في باب أحكام الزيادة حيث كان بعض النحاة يكتبونها هكذا : «مِأة» نقل ذلك عن أبي حيان ، إن ما كتبه السيوطي في هذا الصدد يضعنا أمام أمر كتابي جوهري وهو أن أمر الاختلاف في رسم هذه الكلمة كان قديمًا بين فئة النحاة وليس بين عوامّ الناس ومثقفيهم وكتابهم وحسب.

ماذا عن رسمها في التثنية والجمع؟

هذا ما كان من رسم الكلمة حال الإفراد في كلمة مائة أما في التثنية والجمع فهناك كلام آخر:

حيث أن الفيومي في كتابه المصباح المنير يقول بأن المائة أصلها «مِئْيٌ» على وزن «حِمْلٌ»، وعليه يكون جمعها «مِئِين» مثل: «عزين وسنين» ، خاصة وأن القرآن الكريم لم يجمعها على «مئين ولا مئات» ، بل قال تعالى : «ثلاث مائة سنين» الكهف 25 ، ونقل عن ابن الأنباري أن مئات ومئين عند أصحابنا شاذ».

ماذا يعني هذا؟

إن هذا يعني أن القرآن لم يورد لمائة مثنى ولا جمعًا ، وعندما أراد الجمع أتى به مفردًا بين العدد والمعدود.

كيف تُرسم إملائيًا؟

وهذا الأمر يفتح لنا ملف كيفية كتابة «مائة» في القرآن الكريم حيث أن القرآن الذي هو توقيفي الرسم ورد فيه لفظ «مائة» بالألف خلافًا لما كان يكتب في كتب القدامى كما بينا آنفًا حيث أنهم يكتبونه من دون ألف خشية الالتباس بينه وبين «منه» مع أن مفردة «منه» ورادة في القرآن الكريم ولم يُعمل الرسم القرآني تلك الخشية من ذلك اللبس، وهذا تساؤل ثالث يضاف لذينك التساؤلين الآنفين.

لذا فقد انتهت دراسات بعض المجمعات اللغوية والكتب الأكاديمية العربية إلى جواز كتابتها بكلا الوجهين: «مِئة» و «مِائَة» ، هذا في حال الإفراد ، وكذا في التثنية: «مِئَتَانِ ، مِائَتَان»، وقد اختارت مؤسسة النقد السعودي الرسم الثاني الذي يحتوي ألفًا في نقشها المفردة على فئة ال «مِئَتَا ريال سعودي».

أما في الجمع فترسم على أربع صور:

1 - بألف متصلة مع العدد : ثلاثمائة ، أربعمائة ، خمسمائة ... الخ.

2 - بألف منفصلة عن العدد : ثلاث مائة ، أربع مائة ، خمس مائة ... الخ.

3 - بدون ألف متصلة مع العدد : ثلاثمئة ، أربعمئة ، خمسمئة ... الخ.

4 - بدون ألف منفصلة عن العدد : ثلاث مئة ، أربعُ مئة ، خمسُ مئة ... الخ.

وبهذا الرسم عملت مؤسسة النقد السعودي في نقشها على النقود من فئة ال «مِئَة ريال» وال «خَمْسُ مائة ريال».

وعودًا على موضوع اللبس لكنه لَبْسٌ من نوع آخر لَبس في العصر الحديث حيث اختاروا في رسم العدد «خمسمائة ، وسبعمائة» أن تكون متصلة خشية اللبس بينها وبين «خُمْسُ مائة من الخُمْس ، وسُبْعُ مائة من السُبْع».

وماذا عن فتوى حذف ألف مِائة؟!

وفي فتوى رقم «23» من مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى الدورة التاسعة والعشرين _ عام 1963 م ، أجاز حذف الألف من كلمة «مائة» ، وفصل الأعداد من ثلاث إلى تسع عن ” مئة ” ، فتكتب ” ثلاث مئة، المنشور على الشبكة العنكبوتية ، وقد علل المجمع ذلك بأربعةأسباب:

«وحجة المجمع في ذلك كما ورد في قراره - أن الأصل والقياس في كل كلمتين اجتمعتا أن تُكتب كل منهما منفصلة عن الأخرى، كما أن الفصل مكتوب به بعض النصوص القديمة، إضافة إلى أن الإعراب يقع على الجزء الأول من الكلمة كثلاث ونحوها، فالفصل هنا لبيا نحركة الإعراب على آخر الكلمة، ورابع الأسباب أن الفصل فيه تيسير على الناشئة» أ. هـ.

أرجو ان أكون قدمت شيئًا مفيدًا ينتفع به الجميع ، ورب سؤال يفتح لك أبوابًا في معرض الإجابة عنه.

المصادر:

1 - القرآن الكريم.



2 - أدب الكاتب لمؤلفه ابن قتيبة الدينوري.



3 هـ مع الهوامع في شرح جمع الجوامع لمؤلفه جلال الدين السيوطي.



4 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لمؤلفه أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري.



5 - مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية.



الأحساء