آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

هل ينتهي عصر الشهادات؟

زينب البحراني *

في يونيو 2020م؛ وقع الرئيس الأمريكي ”دونالد ترامب“ أمرا تنفيذيا بتوجيه تعليمات لفروع الحكومة الفدرالية، بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين، وسرعان ما أتى تصريح الرئيسة الشريكة في المجلس الاستشاري لسياسة القوى العاملة الأمريكية، ومستشارة الرئيس الأميركي، ”إيفانكا ترامب“ عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: ”أن الرئيس دونالد ترامب وقع على أمر تنفيذي يعتمد المهارات بدلا من الشهادات الجامعية في التوظيف الحكومي“، ما يُمكن اعتباره قفزةً نوعية في عالم التوظيف مُقارنة بحالة الترهُل الوظيفي التي تسبب بها تراكم شهادات جامعية تقليدية عند آلاف ذوي العقول النمطية دون قدرة حقيقية على الإبداع، عدا عن تأخر الانطلاق في سوق العمل والقدرة على جني المال - الذي هو المُحرك والدافع الأساسي لهذه العملية - وإهدار وقتٍ لا يحتاج الجميع لإهداره على مقاعد الدراسة التقليدية، خصوصًا حين تعتمد تلك الدراسة على الحشو، والتلقين، والحفظ، والتكرار.

قبل ثورة الاتصالات الإلكترونية التي أنعم بها الإنترنت على الكُرة الأرضية؛ كان التعليم الأكاديمي يُعتبر خيارًا أمثل لاكتساب المعلومة والتخصص في مجالٍ من المجالات، لكن بعد تلك الثورة المُعاصرة لم يعُد هذا الخيار هو الحل الأمثل لقياس جدارة الراغب في مهنة من المِهن، لا سيما وأن سُرعة تراكم الاكتشافات العلمية خلال الأعوام الأخيرة جعلت من المناهج الجامعية تتحول إلى قديمة وغير مواكبة لمُتطلبات الواقع قبل أن يجتاز بوابة التخرج ويستلم شهادته، ما يجعل أكثر من نصف الوقت الذي أنفقه على الدراسة وقتًا ضائعًا، وقدرًا لا بأس به من المعلومات غير صالحة إلا لسلة المهملات!

إن طفلاً في الثانية عشرة من عمره يملك اليوم من المعلومات بفضل هاتفه الذكي المُتصل بشبكة الإنترنت أكثر مما كان يملكه خريجًا جامعيًا في الثانية والعشرين من عمره قبل عشرين عامًا، كما أن طبيعة المِهن والمُتطلبات الوظيفية صارت تتغير بصورة سريعة تدفع بعض التخصصات التي كانت في القمة إلى الهاوية ثم تُلغي وجودها لأنها لم تعُد تخدم تطورات هذا العصر، ثم تأتي بتخصصات جديدة لم تكُن مُتوقعة جاعلة إياها من الضرورات الاستراتيجية لاستمرارية حياة المُعاصر، وهذا يدفع خريجي الجامعات القدامى من الموظفين أو المفصولين من أعمالهم لأسباب قاهِرة إلى أزمةٍ يصعب الفكاك منها، إذ أين يمكنهم إيجاد مكانٍ يقبل توظيفهم بعد انهيار ذاك العالم القديم واحتلال مكانه بعالمٍ جديد لا يعترف بوسائل الماضي وأساليبه ومعلوماته؟ وماذا لو وقع أحد هؤلاء في غرام تخصص علمي جديد أو مهارة جديدة، ثم أراد العمل في هذا المجال الذي أتقنه عن طريق التعليم الحُر والتدريب الذاتي، أليس من غير العادل أن يبقى عالقًا طوال ما تبقى من حياته في تخصص اكتشف أنه لم يعُد يطيقه ولا يرغب بإكمال عمره وراء قُضبانه؟

كان هذا القرار الأمريكي فريدًا من نوعه، وربما يغدو توجهًا عالميًا خلال أعوام قليلة، عندها سيعود التميز الحقيقي للقدرة على الإبداع والموهبة وعشق التخصص المُختار للتعلم الذاتي، بعيدًا عن التقليد والسير على خُطى الآخرين.

كاتبة وقاصة سعودية - الدمام