آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

مفاهيم خادعة

محمد أحمد التاروتي *

يحاول البعض التلاعب بالمفاهيم، والعمل على تكريس مفردات طارئة، في الوجدان الاجتماعي، والتحرك باتجاه مسح المرتكزات الثقافية الراسخة، من خلال رسم مسارات خاصة لمخاطبة الرأي العام الاجتماعي، عبر توظيف كافة الإمكانيات المادية، والمنابر الإعلامية، خصوصا وان عملية التلاعب بالمفاهيم تتطلب إيجاد بدائل جاهزة، وعقول قادرة على خلق اضطرابات شديدة، في الوجدان الاجتماعية.

تبدأ عملية التلاعب بالمفاهيم والمرتكزات الثقافية، بالتشكيك في مصداقية تلك القناعات بطريقة ذكية، من خلال طرح العديد من التساؤلات الموجهة، من اجل احداث حالة من الارباك لدى المتلقى، وبعدها تبدأ عملية التسويق التدريجي للمشروع المرسوم، لاسيما وان المواجهة المباشرة تقود للفشل أحيانا، الامر الذي يستدعي التحرك بطريقة بطيئة، لاحداث تحولات بسيطة في القناعات الراسخة، خصوصا وان الكثير من المفاهيم الاجتماعية بحاجة الى التعامل معها، بطريقة احترافية لاقتلاعها، والعمل على زرع قناعات أخرى، وبالتالي فان التصادم المباشر يقود لحالة من النفور الجماعي، وعدم القدرة على الصمود في وجه التيار الرافض، الامر الذي يستدعي انتهاج سياسة التدرج في بث بعض المفاهيم المضادة.

القدرة على بث التشكيك في مصداقية المفاهيم الاجتماعية، تشكل الخطوة الأولى في طريق التلاعب بالوجدان الاجتماعي، فالسقف الزمني لهذه الخطوة يختلف باختلاف البيئة الاجتماعية، ومدى الرفض او القبول لهذه التساؤلات التشكيكية، وبالتالي فان التجارب السريع مع التحركات التشكيكية، يعزز فرص النجاح في اختراق جدار الرفض الاجتماعي، خصوصا وان وجود اطراف مستعدة للتنازل عن المفاهيم الاجتماعية السائدة، يحفز على الانطلاق باتجاه المشروع المرسوم، لخلق تيار اجتماعي مغاير للواقع السائد منذ سنوات طويلة.

امتلاك المفردات الرنانة، والتلاعب بالالفاظ، احدى الوسائل المستخدمة، لنسف الكثير من المفاهيم الاجتماعية السائدة، لاسيما وان المفردات العاطفية تحرك الكثير من الشرائح الاجتماعي بالاتجاه الاخر، خصوصا وان بعض المفردات المستخدمة تحاول الضرب على الوتر الحساس، مما يدفع باتجاه استقطاب بعض الفئات الاجتماعية، بمعنى اخر، فان عملية تكريس المفاهيم الخادعة بحاجة الى جرأة كبرى، وقدرة فائقة في اختيار التوقيت المناسب، والسيطرة على بعض العقول الاجتماعية، فالفشل في الاختيار المناسب يعرقل الجدول الزمني، للوصول الى الهدف المنشود، بالإضافة لذلك فان الافتقار الى العقول المساندة لبث تلك المفاهيم، يحرم أصحاب مشروع المفاهيم الخادعة من تحقيق النجاحات، ويقود أحيانا لانتكاسة كبرى.

وجود اطراف قادرة على كشف زيف تلك المفاهيم الخادعة، عنصر أساسي في وضع الأمور في النصاب السليم، لاسيما وان الافتقار للوعي الكافي، وانعدام القراءة الدقيقة للاساليب الملتوية، المستخدمة للتلاعب بالمفاهيم الاجتماعية، يقود المجتمع الى الضياع وفقدان البوصلة، وبالتالي التخبط في جميع الاتجاهات، فتارة في اتجاه اقصى اليسار، وأخرى في اقصى اليمين، نظرا لوجود اطراف قادرة على التلاعب الوجدان الاجتماعي بطريقة ”خادعة“، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على المسيرة الاجتماعية، في المدى القصير والمتوسط والبعيد.

القدرة على الصمود في وجه المفاهيم الخادعة، احد الوسائل الأساسية في إبقاء الضمير الوجدان، ثابتا على القناعات الراسخة، لاسيما وان المفردات الخادعة تلعب دورا كبيرا، في احداث حالة من الانبهار، والاستجابة الطوعية مع أصحاب المفاهيم الخادعة، وبالتالي فان صياغة الوعي الاجتماعي مرتبط بتوافر عناصر عديدة، وقدرة على التحرك في الوقت المناسب، لتفويت الفرصة على أصحاب تلك المفاهيم، مما يحدث حالة من الصراع بين المرتكزات الراسخة، والمفاهيم الجديدة، بحيث يتجلى في الكثير من المواقف، والعديد من القضايا الاجتماعية، فكل طرف يحاول التمسك بالقناعات، من اجل السيطرة على الوعي الاجتماعي، بشكل جزئي او كامل.

المفاهيم الخادعة وسيلة للتلاعب بالقناعات الثقافية المتوارثة، او الراسخة لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، فالتحرك باتجاه إعادة التلاعب بتلك المفاهيم، مرتبط بوجود اهداف بعضها مرتبطة بالواقع الداخلي، والبعض الاخر يجد امتدادات خارجية، وبالتالي فان النوايا الحسنة ليست موجودة في بعض تلك التحركات، التي تقودها بعض الفئات الاجتماعية، الامر الذي يتطلب الكثير من الحذر قبل التفاعل مع تلك التحركات، باعتبارها مساعي ذات غايات ليست ”نظيفة“، في بعض الأحيان.

كاتب صحفي