آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 11:40 م

هل تعرف حدودكَ يا إنسان؟ - سلسلة خواطر في أوانها

أصابني عارضٌ صحيّ بسيط أعادني لحجمي ومقاسي الحقيقيّ الذي يتضخم مع تمامِ الصّحة والعافية ”فذاكَ زمانٌ لعبنا بهِ... وهذا زمينٌ بنا يلعبُ“. كيف تكون حياتنا دونَ المرض؟ لا نعلم، لكن من المؤكد أن للهِ رسلٌ خفيَّة تربينا، نعتبر بها ونكتشف أنفسنا ونعرف مكاننا بين الكائنات، فإذا كانت البقَّة التي نراها وهي تمصّ دماءنا، لا نستطيع اللِّحاق بها والقضَاءَ عليها، فكيف بما خفي عن أعيننا في هذا الكون من مخلوقاتٍ أدقّ وأصغر تسلب منَّا الرَّاحة والصحَّة، وربَّما الحياة؟!

ولأنني إنسانٌ جمعت المتناقضات، حالما أبرء أعود لطبائِعي وكأن شيئًا لم يكن، فلا المرض يهذّبني ولا حبس الدَّار يذكّرني بوحشة الوحدة. هذا الإنسان الذي سيطر على قوى الطَّبيعة وطوَّعها، فلا بحرًا لم يركبه، ولا جبلًا لم يرتقيه، انطوى في العالَمِ وانطوى فيه العالَم، لم يسيطر بعد على بقَّة، أو على مرض طارئ بسيط يجعله مثل خرقةٍ بالية لا قوَّة فيها ولا نشاط ولا تراصَّ بين أنسجتها.

وصفَ الإمامُ عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام حالَ الإنسان الذي سمَّاه ابن آدم: ”مِسْكِينٌ اِبْنُ آدَمَ مَكْتُومُ اَلْأَجَلِ مَكْنُونُ اَلْعِلَلِ مَحْفُوظُ اَلْعَمَلِ تُؤْلِمُهُ اَلْبَقَّةُ وَ تَقْتُلُهُ اَلشَّرْقَةُ وَ تُنْتِنُهُ اَلْعَرْقَةُ“. هكذا نحنُ - أبناء آدم - لا ندري متى آجالنا تنتهي وعِللنا متى تفور. وعكةٌ عارضةٌ تقعدنا وشربةُ ماءٍ نرتوي منها تقتلنا، وإذا عرِقنا تغيَّرت رائِحتنا العطرة الزكيَّة إلى رائحةٍ تزكم الأنوف!

تذكرون نمرود؟ الرَّجل الذي حاجّ النبيّ إبراهيم عليه السَّلام ولبسَ رداء الرّبوبيَّة فقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى? ؟ تحكي كتبُ الأحاديث أن اللهَ جعل هلاكه في بعوضةٍ دخلت من أنفه، فهذه العوارض في خفَّتها أو شدَّتها توحي لنا: اعرف حدودك يا إنسان.

أصارحكم، ليسَ من عطيَّة من عطايا الله وهباته الكثيرة أفضل وأجزل من الصِّحة فادعوا اللهَ أن يحفظها لكم من الهروب وحافظوا عليها أنتم قدر ما استطعتم.

مستشار أعلى هندسة بترول