آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

احتضان المواهب

محمد أحمد التاروتي *

توفير البيئة الحاضنة للمواهب على اختلافها مشاربها وتوجهاتها، عنصر فاعل في تنمية تلك القدرات البشرية، من خلال وضع البرامج في صقل المواهب بالطريقة العلمية، خصوصا وان غياب الرعاية يسهم في حرمان المجتمع من تلك العقول، مما ينعكس على ذوبانها في بحر المجتمع، نتيجة عدم وجود القناة القادرة على توجيه تلك المواهب في الطريق المناسب، الامر الذي يسهم في قتل الحماسة، وضياع الجهود في اتجاهات متعددة، وبالتالي تدمير تلك المواهب بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

اكتشاف المواهب يمثل نقطة البداية، فعملية ابراز المواهب تتطلب وضع الخطط المناسبة، لانتشال تلك الطاقات والعقول من البيئة الطاردة الى الأماكن الجاذبة، من خلال تهيئة المناخات المناسبة لتنمية الإمكانيات، ومحاولة دراستها بطريقة احترافية وعلمية، عبر تخصيص بيئات خاصة لاستيعاب تلك المواهب، والحرص على توفير جميع أسباب الراحة، والتحرك في جميع الاتجاهات، لتشجيعها عبر تقديم الحوافز المعنوية والمادية.

الوصول الى المواهب عملية ليست صعبة على الاطلاق، فالاكتشاف لا يقتصر على المدارس والجهات التعليمية، بل يشمل جميع الأماكن بلا استثناء، فالموهبة ليست محصورة في اطار التعليم النظري، ولكنها تشمل المجالات العملية، مما يستدعي التحرك بمختلف الاتجاهات لتعظيم الاستفادة، من تلك المواهب على الاطار الاجتماعي، خصوصا وان العقول البشرية تمثل الكنز الثمين لمختلف المجتمعات البشرية، الامر الذي يفسر الحفاواة الكبيرة التي تحظى بها العقول النابغة، نظرا لما تمتلكه من إمكانيات وقدرات، لاحداث الفرق في كافة المجالات.

العمل على خلق البيئة المثالية لاستثمار المواهب، مرتبط بوجود ايمان كامل بأهمية هذه الشريحة، نظرا لما تمتلكه من قدرات استثنائية، وغير متاحة للعديد من الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يستدعي بذل الجهود في سبيل تهيئة الظروف التعليمية والمكانية، لمساعدة المواهب على ابراز تلك القدرات في المحافل العلمية، وكذلك عبر الاستفادة منها في دعم المسيرة التنموية الاجتماعية، خصوصا وان المواهب تمتلك الإمكانيات اللازمة، لوضع المجتمعات على المسارات العلمية، والتحرك باتجاه احداث التحولات الحقيقية في طبيعة التفكير العام.

إيجاد ثقافة احتضان المواهب مسؤولية مشتركة، فالعملية ليست مقتصرة على أصحاب القرار، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، فالسلطات الراعية للمواهب تحصد الثمر في مختلف الاتجاهات، بيد ان عملية الاستثمار المثالي للمواهب يتطلب بث الثقافة الداعمة، من خلال تكريس الاحترام لهذه الفئة، مما يسهم في تكريس هذه الثقافة لدى افراد المجتمع، الامر الذي يولد ارتياحا كبيرا لدى المواهب، ويدفعها للمعاملة بالمثل عبر استخدام المواهب، فيما يعود على المجتمع بالفائدة، بينما السلطات الطاردة للمواهب، تعطي المواهب المبررات للعزوف، وعدم التفاعل مع مختلف القضايا الاجتماعية أحيانا، والتحرك باتجاه الهروب والهجرة للبيئات الحاضنة أحيانا أخرى، انطلاقا من قناعات بعدم وجود المحفزات للاستمرار في العطاء، نتيجة انعدام الغطاء الداعم لتفجير الطاقات، والاستغلال الأمثل للمواهب.

تبادل المنافع يمثل احد الأسباب الأساسية، وراء احتضان المواهب، فالمجتمع سيضع رجله في السكة السليمة، من خلال تحريك العقول البشرية، في احداث تحولات جذرية في التفكير الجمعي، وكذلك الحصول على جهود كبيرة، لدعم المسيرة التنموية الشاملة، بينما ستجد المواهب البيئة المثالية للبروز والتقدير اللازمة من المجتمع، الامر الذي يدفع باتجاه بذل الجهود، وتقديم الأفضل على الدوام، كنوع من ”رد الجميل“، بمعنى اخر، فان المنافع المشتركة عنصر أساسي في حصد النتائج الإيجابية، فيما يتعلق بعملية احتضان المواهب، والحرص على توجيهها بالاتجاه السليم، نظرا لأهمية المواهب في مختلف المجتمعات البشرية.

الموهبة قيمة بشرية كبرى، مما يستدعي رعايتها بطريقة خاصة، بهدف الاستفادة منها بالشكل المناسب، الامر الذي يستدعي وضع الخطط والبرامج، القادرة على تشكيل الموهبة، بما يتناسب مع توجهات واهتمامات المجتمع، خصوصا وان التجاهل يولد الحسرة ويحرم البيئة الاجتماعية من تلك العقول البشرية، مما يستوجب توفير أسباب الراحة، وعدم فتح الطريق امام المواهب، للبحث عن بيئات اجتماعية جاذبة، لاسيما وان المجتمعات البشرية الواعية تفتح الطريق امام المواهب، عبر تقديم مختلف أسباب الراحة، والعمل على استقطابها بشتى الوسائل.

كاتب صحفي