آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 12:12 ص

الاثم والعدوان

محمد أحمد التاروتي *

مبدأ التعاون على الخير امر مطلوب على الدوام، باعتباره مدخلا لتقريب القلوب، ونشر الثقافة الإيجابية في البيئة الاجتماعية، فضلا عن كون التعاون عنصر بالاحساس بمعاناة الاخرين، والعمل تطويع الإمكانيات الذاتية، لمساعدة الأطراف المحتاجة، مما ينعكس على الثقافة الاجتماعية السائدة، ﴿و تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاون على الاثم والعدوان.

تكريس ثقافة التعاون في البيئة الاجتماعية، يحرض على المبادرة عند الحاجة، وأحيانا تقديم المساعدة بشكل طوعي، انطلاقا من مجموعة المفاهيم السائدة، الامر الذي يحدث اثرا كبيرا على مختلف الأصعدة، فالتعاون لا ينحصر في بعض الممارسات الداعية، لتقديم الدعم للأطراف المحتاجة، ولكنه يشمل مختلف أنواع المساعدات والخدمات، سواء كانت مادية او معنوية، فالعبرة بالنتائج المترتبة على تلك الخدمات المقدمة، وانعكاسها على الأطراف الأخرى، او البيئة الاجتماعية.

الاختلاف في تقييم التعاون يكمن في التداعيات المترتبة، فتارة تكون الاثار الناجمة عن التعاون إيجابية، وتعمل على تكريس ثقافة ”البر والتقوى“، وتارة أخرى فان التعاون يتخذ اشكالا منحرفة وسلبية، من خلال اعتماد مبدأ ”الاثم والعدوان“، بحيث تتجاوز تلك الاثار الاطار الشخصي، لتدخل في تخريب البيئة الاجتماعية، والعمل على ادخال الدمار في النفوس والعقول، وأحيانا إصابة البيئة الاجتماعية بمختلف أنواع الامراض المادية والمعنوية، الامر الذي يستدعي التحرك وإيجاد الاليات المناسبة، لمنع تسلل هذه النوعية من الثقافة في البيئة الاجتماعية، نظرا لخطورتها على الثقافة الفردية والاجتماعية في الوقت نفسه.

تكمن خطورة التعاون على الاثم والعدوان في الأثر التدميري، بحيث يظهر في العديد من الممارسات الخارجية، نظرا للتلوث الكبير الحاصل في النفوس، هذه الثقافة ليست في وارد الإصلاح او تقديم المساعدة، بقدر ما تتحرك لأغراض خاصة، وأحيانا لاهداف بعيدة المدى، اعتمادا على النوازع الشيطانية المدمرة، وبالتالي فان السماح لهذه الثقافة بالانتشار في البيئة الاجتماعية، يؤدي الى قتل بذرة الخير في النفوس، خصوصا وان البيئة الاجتماعية تلعب دورا أساسيا، في تبديل بعض القناعات، انطلاقا من قاعدة ”حشر مع الناس عيد“، و﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ، الامر الذي يحدث طلاقا بائنا بين التعاون القائم على البر والتعاون، والاخر المعتمد على الاثم والعدوان.

المحركات الخبيثة تدفع باتجاه انتهاج مبدأ التعاون على الاثم والعدوان، خصوصا وان المغريات المادية تحرك بعض النفوس المريضة، باتجاه الاخلال بالنظام الثقافي العام، والعمل على زرع مفردات ومفاهيم معاكسة، بهدف احداث اختراقات في التفكير الجمعي السائد، عبر بث بعض المبادئ المصلحية، واعتماد ”انا ومن بعدي الطوفان“، لاسيما وان العمل على تحفيز النفوس على تغليب المبادئ الشيطانية، على مفاهيم الخير والصلاح، ينسجم مع الأغراض الخاصة، الامر الذي يستدعي تغليف اعمال الشر باطار ”التعاون“، من خلال اظهار الاستعداد لتقديم المساعدة على تجاوز بعض العراقيل والعوائق، الامر الذي يسهم في خداع بعض الشرائح الاجتماعية، مما يعني الوقوع في فخ تلك الاعمال الشريرة.

البحث عن وسائل وطرق لتكريس ثقافة التعاون على الاثم والعدوان، عملية مستمرة وليست محصورة باطار زمني محددة، فالتطور الثقافي يلعب دورا محوريا في توجيه البيئة الاجتماعية، باتجاه مفردات وقناعات عديدة، الامر الذي يفرض تحريك النفوس المريضة على الاستفادة من التطور الثقافي، لتكريس التعاون القاتل لدى بعض الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان الصراع القائم بين مبادئ الصلاح والنوازع الشيطانية، يفرض الاستفادة من الثقافة السائدة، والعمل على تطويعها في الاتجاه التدميري، الامر الذي يفسر الاستغلال السيء لمبدأ التعاون في الاتجاه الخاطئ.

يبقى التعاون على البر والتقوى اكثر قدرة على الاستمرار، انطلاقا مع الانسجام الأخلاقي ومفاهيم الخير لدى البشر، بيد ان التعاون القائم على الاثم والعدوان، يحاول كسر الطوق الأخلاقي عبر بعض الممارسات، لاستقطاب بعض الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان الصراع القائم بين الطرفين سيبقى قائما، مع وجود انصار لدى كل طرف.

كاتب صحفي