آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 1:36 ص

مهجورية القرآن عند المذاهب الإسلامية‎‎

علي شكري آل سيف

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا «30» الفرقان

حين يريد البعض تنزيه المؤسسة الدينية بصفة عامة من تهمة مهجورية القرآن، تراه يشير إلى «كمّ» التفاسير المُدوَّنة من جهة وإلى بحث العلماء «آيات الأحكام» في دروسهم الفقهية من جهة أخرى، وهاتان الجهتان وإن كانتا صحيحتين إلا أن لنا جملة من الملاحظات على كل منهما نوردها كما يلي:

أما الجهة الأولى فعليها ثلاث ملاحظات:

1- جودة التفاسير المُدوَّنة تكمن في كيفها لا في كمّها وعددها.

2- الغالب على المفسرين هو الدخول إلى بحث تفسير القرآن الحكيم بتوسط منهج معرفي يتبناه هذا المفسر واتجاه فكري ينتمي إليه، فيفسر القرآن الكريم على ضوئه ويحمل مضامينه على أسسه، ولكل وجهة هو موليها سواء أكان هذا المفسر نحويا أو بلاغيا أو متكلما أو عارفا متصوفا أو فيلسوفا أو محدثا أو أخلاقيا، وبالنتيجة يطبق المنهج المعرفي المتخذ على القرآن بدلا من البحث عن سلامة هذا الطريق من خلال القرآن ذاته.

3- وجود تفاسير مُدوَّنة عند أي مذهب من المذاهب وإن كثرت لا يشكِّل ميزة فارقة ما لم تكن هذه التفاسير محلا للبحث والدراسة والمراجعة والمسائلة وإلا كانت مجرد كومة من الكتب الصفراء بحسب تعبير الشيخ محمد جواد مغنية عليه الرحمة.

وأما الجهة الثانية فعليها خمس ملاحظات:

1- بحث آيات الأحكام ينبغي أن يكون مستقلا عن البحثين التفسيري والفقهي لتشعبه وكثرة محاوره، فليس من الصحيح أن تبحث هذه الآيات بحثا تفسيريا محضا دون التعرض لجنبتها الفقهية، ولا أن تبحث بحثا فقهيا جانبيا وهامشيا.

2- إلى الآن لم يلق بحث آيات الأحكام القدر الذي يستحقه من الاهتمام فلا بحوث جادة عن عدد هذه الآيات وتفسيرها وتطبيقاتها الفقهية وتفريعاتها وتشقيقاتها.

3- اتخاذ الفقيه في هذا البحث نتائج سبق إليه فقهاء آخرون يعني أنه مقلد هاهنا وليس بمجتهد ويكثر هذا فيمن ليس له بحث تفسيري ملفوظ أو مكتوب.

4- من الجميل جدا الاهتمام ببحث آيات الأحكام والأجمل منه هو العناية بكل القرآن الكريم تعلما وتفسيرا وتدبرا، حيث لا تشكل آيات الأحكام سوى ثمن مجموع آيات الذكر الحكيم على أكثر التقادير.

5- غالب الدراسات القرآنية عند المذاهب الإسلامية تركز النظر على أمور جزئية وصغروية تاركة المواضيع الكلية والكبروية التي لها الأولوية في البحث نظير المقاصد والأهداف القرآنية.

أسأل الله العلي العظيم القدير أن يضاعف جهود المهتمين بالدراسات القرآنية، ويزيد من عطائهم وفيضهم، إنه سميع مجيب.