آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 6:51 م

مشاعر متأججة

ورد عن رسول الله ﷺ: «يا علي! لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد، وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم …» «سفينة البحار ج 7 ص 598».

هل فكرت يوما في نتائج تصرف تقدم عليه في لحظة انفعال لا تملك حينها ذرة من التفكير أو الاتزان الوجداني؟

إنها لحظات عصيبة لا يمكن تقدير اتجاه الأمور بعدها، ولكنها بالتأكيد ستتجه نحو الخسارة والأخطاء والتصرفات المتصفة بالنزق والتهور واللا عقلانية، كما أن الفرد في لحظات الانفعال لا يتحكم في منطقه فيتفوه بكلمات قاسية وبذيئة يندم عليها كثيرا، وهذه الصورة لحالة الغضب والصراخ يحكم الوجدان بأنها موقف خاطئ ويترتب عليه ما لا يحمد عقباه، ووقوعنا أسارى للانفعالات المتفلتة لا يعني أننا لا ندرك مخاطرها ولكن الأمر يحتاج إلى مهارة قيادة النفس وضبطها في المواقف الانفعالية، وذلك أن التحكم في المشاعر وردات الأفعال والتصرف في المواقف الحرجة ليس بالأمر السهل، حيث أن الإنسان في تلك المرحلة من غليان الدم وتأجج المشاعر يصعب عليه الإمساك بدفة تصرفه نحو الحكمة والعقلانية، فكأنه حينها كربان سفينة أحاطت بها الأمواج الهائجة والمتلاطمة من كل مكان فيغالبها بصعوبة.

وضبط النفس والتحكم بالمشاعر مهارة كبقية المهارات والقدرات التي تحتاج إلى موازنتها، من خلال تطبيق مبادئ هدوء النفس في المواقف المتلاحقة والبعد عن الضغوط النفسية والحياتية، فإن تمالك الأعصاب والتوقف عن الانحدار نحو هاوية التهور والسفه الأخلاقي هو الجانب الحقيقي من الشخصية القوية، والتي يستطيع صاحبها التحكم في خطواته والنظر في نتائجها قبل أن يلحقه الندم الشديد، فالإنسان الغاضب منفلت الأعصاب قد أغلق مسامع عقله عن كل صوت عاقل يهتف به وفتح ذراعيه للدخول في حالة جنونية من الصراخ وقذف الحمم الكلامية الحارقة.

وتجنب حالة الانفعال الشديد تبعده عن حرق أوراق سعادته واللحظات الجميلة في عمره والتي تضيع سدى بسبب غياب الاتزان العقلي والوجداني عنده، وبالتأكيد فإن علاقاتنا الأسرية والاجتماعية تتأثر بنحو سلبي كبير بتجدد نوبات الغضب بسبب أي احتكاك أو سوء فهم أو تغير المزاج، وقد يكون سبب نوبة الغضب هو الحالة النفسية التي يمر بها الفرد من إحباط أو إخفاق أو قلق من أمر مستقبلي فيؤثر على تصرفاته وطريقة تعامله، وقد تتكون حالة الغليان الانفعالي بسبب النقاشات المتفلتة غير المراعى فيها آداب ومضامين الحوار، وخصوصا مع وجود حالات التشنج المسبقة التي تشكل شرارة سرعان ما تشعل الجو بالصراخ والخصومة، كما أن الهموم الحياتية والضغوط النفسية المتولدة من الضيق الاقتصادي أو المشاكل الزوجية تعد رافدا لنوبات الانفعال والخروج عن حالة الهدوء والاتزان، ومن ثم تتجه الأمور نحو التحفز للدخول في صدامات ومشاحنات مؤلمة.

والنقطة الثانية التي يشير لها الهدي النبوي هو العلاجات والأساليب التي يمكن من خلالها تفادي حالة الغضب وغياب ضبط النفس أو على الأقل التقليل من الخسائر الناجمة عنها، فيعبر الرسول الأكرم ﷺ بالقعود للدلالة على المسارعة في الانسحاب من الأجواء الصاخبة وحالة الغليان الانفعالي بأسرع قصوى، فالنفس بعد ثوان قليلة تبدأ في استرداد أنفاس الهدوء والعقلانية والمنطقية في التصرف والحديث، ومع الاستمرارية في استبدال سلوك الغضب بالتعديل الإيجابي يتكيف الإنسان حينئذ على التعامل بحكمة وروية أمام المواقف الصعبة والاستفزازات التي يتعرض لها من الغير، فهذه المعالجة السلوكية لحالة الانفعال ستعود عليه بالخير الكثير.

وأما المعالجة الأخرى فهي المعالجة الفكرية من خلال التأمل في الأخلاق الإلهية وتعامل الرب الجليل مع عباده، فإنه سبحانه أمام تماديهم في حالة الجهالة العقائدية والاستجابة السريعة للشهوات والأهواء لا يقابلهم بعقوبته، لقد تمادى العباد في ارتكاب المعاصي وأسرفوا على أنفسهم باحتطاب الآثام، فكيف كان التعامل الرباني مع عباده؟

إنه سبحانه يقابل معاصيهم بحلمه وستره وعفوه، والعاقل الأريب يتخلق بالخلق الإلهي فيتجنب حالة التجاوز المعنوي على الغير بالصراخ والانفعال عليهم، فالناس معادن مختلفة وشخصيات متنوعة وعليه التعامل مع هذا المشهد بواقعية وحسن تصرف من خلال المحافظة على هدوئه الداخلي.