آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 5:31 م

العوامل المؤثرة على شخصية الطفل‎‎

ورد عن أمير المؤمنين : وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته» «نهج البلاغة ج 3 ص 40».

يدور الحديث حول خيرية الإنسان وعدوانيته منذ أن تبصر عيناه هذه الحياة، فهل يولد الإنسان وهو يحمل بذور الخير والصلاح ولكن البيئة المحيطة من حوله والتربية التي يتلقاها من أسرته ونوعيتها هو ما يأخذ به نحو الانحراف والشر والعدوانية، أم أن الطفل ساحة بيضاء مفتوحة على كل الاحتمالات بحسب ما يقابله من بيئة وتربية؟

أمير المؤمنين يؤكد على النظرية التربوية القائلة بأن المولود يبصر الحياة وهو يحمل استعدادا وقابلية للاستقامة أو الانحراف والتلبس بالشرور، والعامل المؤثر على شخصيته هو: البيئة والتربية، وهذا يتضمن الدعوة إلى إيجاد البيئة الأسرية والتعليمية السليمة التي ترعاه وتوجهه نحو الفضيلة والصلاح، فلا يمكن توقع بروز شخصية سوية ومكتسبة لمعالم الاستقامة والطموح في وقت لم يكن يتلقى ذلك الطفل إلا الجو الصاخب بالصراخ والعنف اللفظي والإهمال لتأديبه ومستواه الدراسي، فتربية الأبناء أعظم مهمة وأخطرها في مسار المجتمع نحو الفضيلة والازدهار أو التردي والفوضى.

فالفطرة السليمة للطفل تعني وجود أرضية خصبة تتلقى مختلف الأفكار والسلوكيات مما يتلقاه ويشاهده من محيطه الأسري والمجتمعي، فالتأثر والتقليد هو أول معالم التعلم والتربية عنده وهذا ما يحمل الوالدين والمؤسسة التعليمية مسئولية حمل السلوكيات الإيجابية وتجنب كل الألفاظ البذيئة أو التصرفات غير المقبولة، فالإحسان للطفل لا يكون بتوفير الحاجات المادية والاقتصار عليها فقط، بل يتحول الوالدان إلى ينبوع معارف وتوجيه ومشاعر حانية تحيط به وتؤهله للتفاعل مع مجتمعه، فطريقة التفكير وحسن مواجهة الأزمات والعثرات التي تصادفه يعتمد على امتلاكه للثقة بالنفس والتوازن الفكري والوجداني؛ لكي لا يصاب بالتقهقر واليأس أمام ضربات الزمن وسقطاته فيصبح شخصا انهزاميا ضعيف الحيلة والقدرات، فشخصية الطفل مجموعة من القدرات والمهارات الفكرية والنفسية والعاطفية والاجتماعية التي يحتاج إلى التعرف عليها والمساعدة في تنميتها، يتلقى الدعم والتوجيه من الوالدين فيكتسب المعارف والسلوكيات المحببة، بينما البيئة الأسرية المهملة ستنتج للمجتمع أفرادا يتحلون بسلوكيات إجرامية وعدوانية وتكون نواة هدامة.

فالطفل يولد على الفطرة السليمة وذهنه صفحة بيضاء خالية من أي تصورات ومفاهيم، وما يشاهده الأبناء أمام ناظريهم ويسمعونه من كلمات بآذانهم وما يعرض عليهم من البرامج في وسائل التواصل الاجتماعي سيشكل مجمل شخصياتهم وصفاتهم وطريقة تفكيرهم، وبلا شك فإن وجود الوالدين في عالم أبنائهم والحديث معهم واستقطاع وقت مناسب للجلوس معهم والاستماع لمشاكلهم وتصوراتهم وتطلعاتهم سيكون داعما لتنمية قدراتهم والبناء القوي لشخصياتهم، كما أن التوجيه لا يقتصر على الجانب الكلامي بل القدوة الحسنة التي تقدم لهم من خلال الكلمات الصادقة والتصرفات السليمة من أفراد الأسرة سيدعم الثقافة والتربية المقدمة لهم، كما أن الأسس التي تقدم للأبناء في تنظيم أوقاتهم وترتيب أولوياتهم واختيار الأصدقاء المناسبين يمثل خريطة طريق يشق من خلالها ميادين الحياة وسبلها، كما أن المساعدة في حل المشكلات المصادفة له لا يعني إلغاء شخصيته بل يكون بتقديم الخطوط العريضة للمشكلة والاحتمالات للمخرج منها مع تحميله مسئولية الحلول والمضي بها نحو تجاوز اللحظات الصعبة.

الطفل أرض خصبة تنبت فيها ما يبذره الوالدان والمربون، مما له تأثير كبير على تبلور تصرفاته في المستقبل وكيفية تعامله مع الآخرين، فكل كلمة تلتقطها أذنه وسلوك يراه من محيطه الأسري والمجتمعي ستحلق به نحو النجاح أو تأخذ به نحو الانحدار، ولذا ينبغي الاهتمام بتهذيب نفسه بالأخلاق العالية والتعامل الحسن مع الغير والالتزام بالآداب الاجتماعية، كما أن الاهتمام ببنائه نفسيا وعاطفيا سيكسبه الثقة بالنفس والهمة العالية في تحقيق أهدافه وتخطي العقبات المصادفة له.