آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

البناء المعرفي لـ ”يوم التأسيس“

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

نشر الأستاذ عبدالله بجاد العتيبي مقالة عن «يوم التأسيس» في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان: «التأسيس ليوم التأسيس»، ركزت على أمرٍ غاية في الأهمية، يتعلق بكيفية صياغة الرؤية الثقافية ل» يوم التأسيس» الذي تحتفل به المملكة العربية السعودية، للمرة الأولى في ال22 من فبراير الجاري، وأعلنته كمناسبة وطنية سنوية.

العتيبي اعتبر في مقالته أن «التأسيس ليوم التأسيس» هو مهمة المؤرخين والباحثين والمفكرين، كما أنها مهمة المؤسسات العامة والخاصة المعنية بالدراسات والبحوث ومهمة المؤسسات الثقافية والإعلامية، وإحدى الأهداف الرئيسة بنظره لهذه المهمة «غربلة التواريخ المتداولة قديمها وحديثها، بالتدقيق والتمحيص، ومعرفة ظروفها والأحداث المحيطة بها، والتوجهات والقناعات لدى كتابها».

التحول الذي تعيشه السعودية، لكي يكون مستداماً، وأكثر تأثيراً في عقول المواطنين، وتحديداً الجيل الجديد، يجب أن يصاحبه بناء منظومة معرفية، تعيد صياغة المفاهيم القديمة، تفحص السائد منها، وتحاجّها بالعقل والمعلومة وقوة الدليل، ولا تركن للسائد والتنميط والإجابات الجاهزة، التي كثير منها تم التعامل معها كحقائق ثابتة، فيما هي محض اجتهاد، أو سلوك سياسي أو ثقافي افترضته ظروف معينة، تبدلت الآن، ولا يصح استصحابها بعد اليوم، فهي ابنة بيئتها وتاريخانيتها.

الدولة كيان ينمو، يتطور، يتبدل من طور إلى آخر، وينتقل إلى مستويات أرفع. تلك سيرورة «الدولة الوطنية»، في الولايات المتحدة وأوروبا، ومختلف المجتمعات الحديثة.

الدولة المدنية لو بقيت حبيسة تشكلها الأول، والأفكار التي سادت خلال البدايات، لبادت ولم تستطع أن تؤسس لحضارة وصناعة وفنون وفكر حيوي، يلبي الاحتياجات المستجدة، ويتعامل مع مختلف المشكلات التي تطرأ مع الزمن.

من هنا، فإن «يوم التأسيس» بحاجة لهذا التنظير الفلسفي، المعمق، لكي يعي الجيل الجديد أن الدولة شأن مدني، دنيوي، لا ديني. وأنها كيان يواكب القوانين والتشريعات الدولية، وينسجم مع النظام العالمي الذي توافق عليه «العقلاء» في العصر الحديث، ومن خلاله تم اجتراح مفاهيم ك: المواطنة، سيادة القانون، العدالة، حقوق الإنسان.

الدولة الوطنية التي هي فضاء لمختلف المواطنين بتنوع أعراقهم ومذاهبهم وقبائلهم، هي ضمانة للاستقرار، وهي المجال الحيوي الذي ضمنه يتم بناء المشروعات التنموية، وهي لكي تتحقق لا بد من التفريق فيها بين المجالين: السياسي والديني، بمعنى عدم استخدام الدين لأغراض سياسية، كما هو حاصل لدى جماعات «الإسلام الحركي»، التي تريد فرض ثنائية تجمع رجل السياسية برجل الدين، بهدف الوصول إلى السلطة والتحكم في مصائر الناس.

سيرة الزعماء السياسيين، والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مثالٌ ناصعٌ على ذلك، ودليل على رفضهم لهذه الثنائية، والتي عمل على مواجهتها بصراحة في معركة «السبلة» عندما أراد «إخوان من أطاع الله» فرض تصورهم الضيق على الدولة، وأدرك الملك أن هذه التصورات العتيقة لا تبني دولة، ولا تقود إلى الأمن والاستقرار والتنمية التي يريد تحقيقها، بل ستعمل على تمزيق المجتمع وتهديد السلم الأهلي، وتعيد القبائل للاقتتال مجدداً.

لقد كان «الوعي السياسي الحاد لدى ملوك الدولة السعودية بعهودها الثلاثة دليلا جليا على أنَّ «الدولة» و«قياداتها» كانت واعية بدورها وزعامتها من دون مشاركة أي أحدٍ أو أي جهة في هذه الزعامة»، كما يقول عبدالله بجاد العتيبي، مضيفاً: «في التأسيس ليوم التأسيس تجدر ملاحظة مثل هذه المعاني وتعزيزها ونشرها».

قد يكون إحدى أهم الخطوات في سبيل ذلك، قراءة التاريخ بعين الباحث المحايد، بعيداً عن السرديات التي كتبت من خلال شخصيات متأثرة بالأجواء الدينية وعواطفها، لا تمتلك الأدوات المعرفية التي يجب أن تتوافر لدى المؤرخ الجاد والحصيف.