آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 3:50 م

حمامات 3 نجوم

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

أحيانًا قليلة جدًا يحالفك الحظ وأنت تتجول في «حمامات» بعض مرافقنا السياحية العامة فتجدها نظيفة، تفوح منها روائح عطرية ممزوجة بعبير مطهرات النظافة.

دع عنك بعض المساجد وبعض الأجهزة الخدمية واستراحات الطرق، فهي وحدها «حكاية»، الأرضيات تكسوها القذارات، وتسيل من المطبخ مياه الصرف الصحي، ودورات المياه قذرة، وبعضها لا يوجد فيها ماء أصلًا!

ولكن نحن نتحدث الآن عن مرافق سياحية، من قبيل المتنزهات والحدائق العامة والواجهات البحرية. في الأسبوع الماضي كنت مع عائلتي في زيارة لكورنيش الخبر في المنطقة الشرقية، وكنت أبحث عن مكان نجلس فيه بحيث يكون قريبا من دورات المياه، فمكثت نصف ساعة تقريبا أبحث عن دورة مياه، وأخيرًا وجدت دورة مياه واحدة فقط، يتزاحم عليها الناس، وقفت في الطابور أنتظر ويا ليتني لم أنتظر! القاذورات تنتشر في هذا الحيز الصغير، وبقايا المناديل الورقية تنتشر على المغاسل، وقد تدلى نصفها خارج أكياس القمامة، والأسوأ أنك تجد المكان يغرق بالمياه غير النظيفة، وتلك هي المشكلة الأكبر في هدر المياه بزعم تطهير المساحة استعدادًا للاستخدام.

ثم بعدها بأيام زرت كورنيش سيهات والدمام والقطيف وكما يقال «الحال من بعضه»! في تلك الأثناء استرجعت ذكرياتي في أمريكا، كنت أتجول بسيارتي من ولاية لولاية، فأيقنت بما لا يدع مجالًا للشك بأن معايير النظافة هناك واحدة، حتى في الطرق السريعة، تدخل دورة المياه تجدها نظيفة، وتستمتع بالموسيقى الهادئة، ولذلك يسمونه هناك «منطقة الراحة» Rest area.

في بعض الأحيان لا تستطيع الدخول إذ توجد لافتة مدون عليها «عذرًا نقوم بالتنظيف الآن»، حيث يأتي عامل التنظيف في ساعات محددة باليوم لإتمام عمله، يشعر المستخدم حينها، بمسؤوليته تجاه المكان، ويبقيه نظيفا، احتراما للمستخدم التالي.

ولا أنسى ذلك الحمام العمومي «فئة الخمسة نجوم» المتاح للجميع، يبدو أن أصحابه يعرفون أن هذا الحيز مهما كان، يضيق بالنفس البشرية، ففرشوه بالرخام الفاخر، تصطف فيه المراحيض والغسالات التي تشدو بلحن موسيقي عابق برائحة الأزهار العطرية.

عودة إلى المنطقة الشرقية مرة أخرى كنت أتساءل وأنا أشاهد السياح الأجانب، كيف سينظر لنا هؤلاء عندما يدخلون دورات المياه؟!

في الحقيقة أن الاستخدام العشوائي المهمل لدورات المياه العمومية، هو انعكاس جلي لثقافتنا في الحياة، ليس فقط من حيث ترسخ قبول مثل هذه المشاهد على أنها طبيعية، ولكن كذلك من حيث ترسخ شعور أن العام ليس ملكنا، وأن الحيز الخارجي من بلداننا لا ينتمي لنا، فترانا نعامل الشوارع بقسوة والأماكن العامة بفظاظة واستغلال، فتلك ليست لنا.

هذا الشعور بالانفصال هو أخطر وأمرّ ما يحكم علاقة المواطن بأرضه، وهنا أقولها بكل وضوح لو أن مراقبي الوزارة أو الجهات الحكومية المعنية، أدوا واجبهم في التفتيش والمتابعة المستمرة، لكان الحال أفضل، ولن يكون صعبًا على الوزارة المعنية أن تتعاقد مع شركات نظافة للعمل على مدار الساعة في المرافق السياحية والمتنزهات.

لكن التحدي الأصعب سيكون في ضمان أداء هذه الشركات واجبها فعلا وعلى الدوام، ووفاء المسؤولين في الميدان بدورهم في مراقبة العاملين في هذه الشركات ومحاسبتهم على التقصير.

فهناك عشرات المرافق العامة، التي تتولى شركات أعمال النظافة فيها، لكن مستخدميها يعانون الأمرين من تردي مستوى النظافة.

أخيرا أقول: لا نريد حمامات 5 نجوم وإن كنا من مستحقيها، إلا أنه وعلى قاعدة التدرج دعونا نشتغل الآن على 3 نجوم.