آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 10:07 ص

في العلاقة الإشكالية بين الدين والدولة

الدكتور توفيق السيف * صحيفة الشرق الأوسط

الحوار المطول الذي أجرته مجلة «أتلانتيك» الأميركية مع وليِّ العهد، حفظه الله، طرقَ العديد من القضايا التي طالما أثارت الجدلَ في الصحافة الدولية وفي المجتمع. وتضمَّن مسائلَ من قبيل العلاقة بين الدين والدولة، الحريات الفردية، النموذج التنموي، العلاقة مع الولايات المتحدة... إلخ. تعدد الموضوعات يتيح الفرصة لأشخاص من مشارب مختلفة، كي يجدوا ما يجذب اهتمامهم.

بالنسبة لي، فإنَّ الحوار في مجمله مهمٌّ ومفيد. لكن الموضوع الذي يثير اهتمامي أكثرَ من غيره، هو ذلك المتصل بالتعددية الدينية والخطاب الديني الرسمي.

دعني أوضح أولاً أنّي أدعو إلى فصلٍ تامٍّ بين الدولة والمؤسسة الدينية. هناك بطبيعة الحال هيئاتٌ حكوميةٌ ذات صلة بالدين، ضمنية أو صريحة، نظير القضاء والأوقاف ورعاية الحرمين الشريفين والمساجد. دور الدولة في هذا المجال ينبغي أن يقتصرَ على الدعم والتنظيم فحسب. أمَّا بالنسبة للقضاء، فإنّي أرى أن يتحولَ تدريجياً إلى قضاء مدني. وهذا يشمل حتى المجالات التي تتعلَّق بها مسائل وأحكام فقهية، نظير الأحوال الشخصية والأوقاف، فإنَّ الأحكام الشرعية المتصلة بها، ينبغي أن توضعَ في قانون مكتوب، كما هو الحال في غالب الدول الإسلامية، بما فيها تلك التي تضمُّ مذاهبَ متعددة كالعراق وإيران والبحرين وغيرها.

فيما يخصُّ التعددية الدينية، فإنَّ تجربة العالم المعاصر، توضح بجلاء أنَّ الأحادية الثقافية والدينية قد باتت جزءاً من الماضي. الدول المتقدمة جميعاً، تتبنَّى النظام التعددي، الذي يسمح لكافة الأديان والمذاهب والثقافات بالوجود والازدهار، ويسمح لأتباعها بالتعبير عن قناعاتهم الخاصة في العلن، في إطار القانون وتحت حمايته. وقد انعكس هذا على المؤسسات الدينية في تلك البلاد، فأمست أكثرَ قناعةً بالحوار والتفاهم ونبذ الميول الصدامية.

إنَّ تيار الإصلاح الديني لا يملك فرصة النجاح، إلا إذا تبنَّى القيم الأساسية للحداثة، وأبرزها احترام الحريات الفردية، لا سيَّما حرية الاعتقاد والعبادة، واحترام العلم الحديث، وتقبل النقد الذاتي والنقد العلمي، بل واعتباره منهجاً لازماً لتطوير المقومات النظرية والمواقف. وفي اعتقادي أنَّ هذه الأعمدة الثلاثة «احترام الحريات الفردية، احترام العلم، وتقبل النقد» لا يمكن أن تنهضَ في ظل مواصلة المؤسسة الدينية استخدام سلطة الدولة.

لا تحتاج الدولة إلى «خطاب ديني رسمي»، ولا تحتاج إلى «مؤسسة دينية رسمية». إنَّ الخطاب الديني الرسمي يستدعي - بالضرورة - تبني اجتهاد محدد، وإقصاء الاجتهادات الموازية. إقصاء الاجتهادات الأخرى يجعل الدولة في الجانب المقابل لبعض مواطنيها. وهذا خلاف لمبدأ حاكمية القانون.

الأصل أن يكون القانون عاماً، ينطبق على الجميع بالقدر نفسه، وبالمعايير نفسها. فهل تطبق أحكام دينك على من لا يؤمن به ولا يقبله؟ وهل يصح له أن يفرض عليك ما لا تقبله ولا تؤمن به؟ أنت ترى دينك صحيحاً، وهو يرى دينه أصحَّ.. فهل نسمح له بإلزامك، أم نسمح لك بإلزامه؟

إنَّ جوهر مبدأ المواطنة هو المساواة أمام القانون. وهذا يقتضي أن تكون الدولة للجميع، مع الجميع وبهم، باعتبارها الجهة التي تطبق القانون. وهذا يستدعي تحييد الدين، والحيلولة دون تحوله إلى حاجز بين الدولة والمجتمع، أو جزء منه.

كان مجتمعنا على الدوام متعدداً متنوعاً. وكان على الدوام ثرياً بهذا التنوع، في تجربته الحياتية وفي تاريخه وثقافته. لقد انزلقنا - فترة من الزمن - إلى الأحادية، وقد حان الوقت للتحرر من أعبائها، كي نعيشَ حياة تعكس قناعاتنا، وليس - بالضرورة - قناعات الأجداد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابومنتظر
[ الجش ]: 10 / 3 / 2022م - 7:09 م
حتى القانون المدني يا دكتور هناك من لا يؤمن به وحسب ما افاده مقالك سيكون تطبيق هذا القانون عليه استبداد واضطهاد
الحل الصحيح ان يتبع كل شخص احكام الدين والمذهب الذي ينتمي له
فالمسيحي يمنع عليه تعدد الزوجات بخلاف المسلم
والمسلم يمنع عليه اكل الخنزير بخلاف المسيحي
باحث ومفكر عربي من المملكة العربية السعودية.