آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

حدة الطبع.. بين الكر والفر

عبد الله أمان

نادرًا مَا تَجد شَريحة مِن الناس على سَويَّة مِزاج واحد؛ ولن تجد نَقاءَ وصَفاءَ فَيض ذلك المزاج الفائق الرائق أَيضًا، شَاخصًا مُتطابقًا، بين صَف الآًخوة الأَشقاء… غَير أَنَّ هُناك عَددًا مِن جُملة العَوامل والمُؤثرات والظُروف المعيشية؛ وبعض مِن مُسوِّغات الاضطرابات النفسية المُكدِّرة؛ ومُحفزات بَواعث القلق المُرهِقة؛ وأَنماط مِن طَبيعة سُوء وتشوه نمط الانطباعات الاجتماعية، وأَشكال مِن رَديء المكتسبات الثقافية… وسَيل هَادِر مِمَّا شاكلهما مِن أَخواتهم: الراهنة والماضية النشطة، المُعشعِشة حُضورًا في ذِهن حادِ الطبع المُتغطرِس، والتي لها قَصب السَّبْق في تَكوين، ونُشوء، واجترار حِدة الطبع الظاهرة، بمزاج سَوداوي مُتقلب مُكفهِر؛ والذي عَادة مَا يُقابله ويَقرأَه المُتعاملون، بفراسة وتبصر، مّع مَن يتسم بباقة أَعراض تلك الحالة المرئية المُعلنة، ولايَخفى على أَحدٍ أَعراض حِدة المزاج المُتقلب المُشاهَد، ومَا يُرافقها إِرهاقً، مِن مُظاهر الهوس؛ وما يَشوبها مِن مَداخل الوَسوسَة؛ وما يُعكرها مِن ضَربٍ مُماثل مِن أَشكال النزغ الجَلي، في فَلتات اللسان، ومَلامِح الوجه، ونَبرات الصوت، وضَيق الصدر، وسُرعة الانفعال، والتشبث بالرأي…!

وهنا، يبرز السؤال الأَكثر ترددًا وحَيرةً في ناصِية فِكر المُتلقي الرائق، عَن كَثب، مُتزامنًا مع إِنهمار زَخم طَيف تلك المُخرجات المزاجية السوداوية البغيضة، المُزجاة عَرضًا، بكتلة سَحابة كَثيفة مُثقلة بكرِّها وفرِّها.. حيث لا تَنفع أَدنى مُحاوَلة التهدئة المُربِّتة المُتأَدِّبة؛ أَو يَنجع دَأْب مُداعَبة الترويض الفوري كثيرًا، في إصلاح وتَرميم نَوبة الخلل المِزاجي المُنفلتة، في حِينها، والخارجة عن طَوع لِجام طَورها؛ ورُبما تزيد تلك المحاولة المُتسرعة ”الطين بَلة“ وتُقابَل بالجَفوة المُتناقضة؛ وتُجابه برَدَّة الفِعل الشديدة، مِن مَخزون ومَكنون مُكتنَز رَصيد العقل الباطن للشخص الهَائج المَائج، الذي نَصَب حَواجز لاشُعورية شائكة ومُؤلمة، بين نَاصِية أَلمعية عَقله الواعي النشط؛ واستضاف بغفلةٍ؛ واستلطف تباعًا، سُلوكًا سَوداوي الصدَى، وصَدِئ المَظهر، المُرسَل توًا، مِن مُخلفات ترسبات عَتيقة مُبيَّتة، مِن زيف مَخزون ”اللاوعي“ في مُستقر عُقر عقله الباطن؛ لتُبعثِر وتُعكِّر سَائر صَفو ذائقة مِزاجه السهلة الرائقة افتراضًا؛ وتُصيِّرها، باستيلاء واستملاك، إِلى فَريسة هَامِدة؛ وتلوكها نهمًا، لُقمة مُرَّة، غير مُستساغة، لا طَعم لها، ولا قَضم!

هَذا، ولعل مُتقمِّص حِدة الطبع البغيضة ذاته، بتقلب مِزاجه البائِس التعِس، يَعود إِلى جَادة رُشدِه؛ ويَؤوب إلى مِنهاج وَعيِه؛ ويَجد ضَالتَه المَفقودة؛ ويَتذكر بتعقلٍ وتفهمٍ؛ أَنَّ مِثل وصِنو ذلك السُلوك المُتعجرف، غير السوي، مَاهو إِلَّا إِهمال، وغَفلة، وسَقطة سُلوكية وِجدانية؛ لِسويَّة وإِنصاف مَرح الذات؛ بدليل جلدِها المُتكرِّر، وإِيذائها المُتسرِّع، وتأْنيبها المُستمِر، دُون الالتفات المُتكلف والتأمل الجَاد المُتيقظين للحظة، إِلى نَظرات فاحصة، ومَشاعر فاضحة، مِن أَعين الناس مِن حَوله؛ وإِن جَامَلوه وغَضوا النظر مَرة، مُداهنةً ومُصانعةً، فسيجد نفسَه مَنبوذًا مُبعدًا مِن إِسدائه لِباس الذِّكر الحَسَن، وسَماعه لشُيوع وذُيوع الكلمة الطيبة في مواقف تقييم الآخرين له!... فلينظر حَاد الطبع السليط اللسان، القلق الوجدان نفسه، المُهتَم المُتَّهَم بمُباغتة ”تَسكِيت وتَبكِيت“ الآخرين، وزجرِهم بسَخافة؛ وتَحقيرِهم بسَفاهة؛ وتَجاهلِهم بوَقاحة… وعِوضًا عَن تلك المُمارسات المُشينة الهّوحاء، يَلزمه - بحِكمةٍ وحِنكةٍ - إلى شهامة الاقتداء الواعي بسَوية طباع سُلوك ثُلة العُقلاء الأَسوياء في أَوساط مُجتمعه، والتحسُّس والتبصُّر بمَا لهم مِن جَميل الذكر الحسن؛ وما يَستحقونه ويَنالونه بإِجماعٍ تامٍ، قَلبًا وقَالبًا، مِن كَرَامة الكلمة الطيبة؛ ومَا يَتمتعون به بجدارة، مِن دَمَاثة الخُلق القويم؛ ومَا هُم عليه اعتبارًا مَشهودًا، مِن طِيب المُعاملة الحَسَنة، وجَميل العِشرة الطيبة، وأَصالة الرأي السديد، وأناقة سِيرة المَخبر الرشيد، ولطافة التواصل الحكيم، مَع الآخرين... ثم يُحاسِب أَصالة، عَقيم سُلوكه؛ ويُعاتِب ذَاتيًا، سَقيم تَصرفاته؛ ويرى نفسَه مِرارًا وتَكرارًا في ناصية عُمق صفاء ونقاء مِرآة عاكِسة؛ تُزكِّي جَدوى استقامتهم الفِكرية؛ وتُبجِّل اعتدال أُمورهم المِزاجية، وتُؤطِّر بإِنصافٍ وعدالةٍ، مُحتوى مَغزَى ومُرونة تواصلهم الاجتماعي اللبِق؛ وأَنْ يَسير، باقتناع ورَوية، على نهج استقامة مِنوالهم الحذِق، بأنصع قُدوة، وأَكمل أُنموذج، وأَتم مِثالٍ يُحتذَى بهم، أَينما حَلَّ وارتحل؛ ثم يترَيَّث بصدق النية؛ ويَتوكل بنُبل العزيمة؛ ويتحَلَّى بيَقينٍ واعٍ، باستقامة نَهح الإِرادة الظافرة؛ ويتجلَّى مُتمطيًا، بوِشاح السيرة الرابحة؛ ليَرى ويُدرك رَيع ونَاتج المكاسب السلوكية الذتية، بعِلاج ودَواء ذاتيين ناجعين شافيين!

وهُناك مِن جُملة الأسباب الباعِثة والمؤدِّية إِلى حِدة وتقلب المزاح، كَيل مُزدوج مِن خَفايا ورَزايا الأسباب النفسية: كالإِخفاقات المَعاشية الكسبية؛ أَو تراكمات مِن المشاكل الاجتماعية الراهنة؛ وحِمل مُثقَل مُعضِل مِن مُفرزات فرط الاضطرابات الوجدانية المُتعارفة عليها عند الأَزواج، وما شابهها، مِن سُوء تَكيف مُؤقت، وصُدود طارئ مُوقت… تلك المَصفُوفة السلوكية مِن المُستجدات والمُستحدثات الطارئة برمَّتها، عَادة مَا تزول بزوال أَثر السبب الماثل!

إِضافة إِلى مَا تقدم ذكره، تبرز سُوق الاعتلالات المِزاجية المُتقلبة مُشوهة بالتواء؛ وتبدو بَوادِر الاضطرابات الفسيولوجية مُنحنية باعوجاج؛ نتيجة فَرط سَوية اضطرابات هَرمونية عضوية داخلية. وهذا يُمكن مُتابعتها وعِلاجها سَريريًا. هذا، ومِثل تلك السلسلة المَرئية مِن ظَاهر وجَاهر جَوف سَلة الاضطرابات النفسية المُتفشية، فأَمرها مِن نَصيب مَهارة، وبراعة، وحذق تَشخيص، ومُتابعة الطبيب النفساني المُعالح، وبالله المُستعان!