آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 1:56 ص

بهجة الاحتفال

محمد أحمد التاروتي *

تكمن أهمية الاحتفالات الشعبية في قدرتها، على إرساء مرتكزات في الوعي الاجتماعي، كونها قادرة على أحداث تحولات في المفاهيم الشعبية، مما يساعد في وضع مفردات راسخة لدى الأجيال القادمة، لا سيما وان توارث الاحتفالات يؤسس لثقافة اجتماعية قادرة على مقاومة الاندثار من جانب، وتغذية الأجيال اللاحقة بالمزيد من المفاهيم الإيجابية من جانب آخر، الأمر الذي يتجلى في قدرة الحشد الاجتماعي، على إظهار تلك الاحتفالات بصورة عفوية بطريقة واضحة.

الاحتفالات الشعبية بما تحمل من انعكاسات اجتماعية، تمثل ظاهرة إيجابية في تحريك الوعي الكلي بالاتجاه المناسب، خصوصا وان التحديات الكثيرة تلعب دورا كبيرا في التلاعب، ببعض المفاهيم الراسخة، من أجل زرع قناعات طارئة، بهدف أحدث فجوة كبرى في المعتقدات الراسخة، تجاه الاحتفالات الشعبية، سواء لأغراض غير نظيفة، أو بسبب سوء الفهم تجاه قدرة هذه الاحتفالات، في المساهمة في عملية التماسك الاجتماعي، الأمر الذي يتجلى في محاولات عديدة للتشكيك في ”ماهية“ الاستمرار في الاحتفالات الشعبية، بحيث تسخر الكثير من الإمكانات في سبيل القضاء عليها، والعمل وضعها في خانة الممارسات ”الوافدة“ من الخارج.

الوعي الاجتماعي يمثل المحرك الأساس، وراء صمود الاحتفالات الشعبية، في وجه مختلف أنواع التشكيك، لاسيما وان تكريس الاحتفالات الشعبية في المفاهيم الاجتماعية، عنصر أساسي في الاعتزاز بالهوية الثقافية، فالاحتفالات الشعبية على اختلافها تمثل جزءا، من الموروث الثقافي لدى المجتمعات البشرية، وبالتالي فإن التنازل عنها يفتح الطريق أمام دخول ”ثقافات“ أخرى، لا تمتلك رصيدا وافرا في التعبير عن الهوية الحقيقية للبيئة الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن التحركات الهادفة لسلخ الاحتفالات الشعبية من البيئة الاجتماعية، تشكل خطورة على الثقافة الاجتماعية من جانب، وتقضي على عملية التواصل التاريخي بين الأجيال الماضية ومثيلاتها اللاحقة من جانب اخر.

الدعوة إلى التمسك بالاحتفالات الشعبية لا تمثل ”جمودا“ على الماضي، أو نوعا من التخلف الفكري والثقافي، بقدر ما يعبر حالة طبيعية لدى المجتمعات البشرية، خصوصا وان الاحتفالات الشعبية ليست ممارسات ظاهرية، تقام في أوقات محددة وسرعان ما تختفي بعد انتهاء ”أوقاتها“، ولكنها جزء من الهوية الحقيقية للبيئة الاجتماعية، بالإضافة إلى كونها ذات مدلول ديني أحيانا، واجتماعي أحيانا أخرى، وبالتالي فإن التنازل عن الاحتفالات الشعبية توجه مرفوض، باعتباره واجبا دينيا تارة، وخضوعا للضغوط الأخرى للتخلي عن الموروث الاجتماعي تارة أخرى، وبالتالي فإن التمسك بالاحتفالات الشعبية يمثل الخيار الأفضل، في الحفاظ على الوعي الاجتماعي، وتجاوز المطبات التي تنصب في الطريق، لسلخ البيئة الاجتماعية عن بعض المفاهيم المتوارثة.

الحفاظ على الهوية الحقيقة للاحتفالات الشعبية عنصر أساسي، في مواجهة كافة الدعوات ”المشبوهة“ التي تحاول ”الاصطياد في الماء العكر“، خصوصا وان الاحتفالات الشعبية قادرة على إظهار الهوية الثقافية للمجتمعات، الأمر الذي يدفع البعض لمحاولة وضع ”إسفين“ للتخلي عن تلك الاحتفالات الشعبية، بهدف إحداث تحولات ثقافية لتغيير الهوية الاجتماعية من جانب، وإيجاد قطيعة في منظومة المفاهيم بين الأجيال الماضية ومثيلاتها الحالية واللاحقة من جانب اخر.

استمرار الاحتفالات الشعبية وقدرتها على الصمود في وجه التيارات المعارضة، يكشف الوسائل التي تمتلكها في مواجهة تلك الدعوات، خصوصا وان الاحتفالات الشعبية تمثل مرآة للكثير من المفاهيم المغروسة في الوعي الاجتماعي، فتارة تظهر عبر مفردات يومية لدى الأجيال على اختلافها، وتارة أخرى، تترجم بواسطة المظاهرة المصاحبة لتلك الاحتفالات الشعبية، وبالتالي فإن الإصرار على مواصلة مشوار الإرث الاجتماعي، يحطم الكثير من الآمال التي تراود البعض للسيطرة على الوعي الاجتماعي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

تبقى الاحتفالات الشعبية إحدى الرموز الاجتماعية، القادرة إحداث تحولات في البعد الثقافي السائد، كونها ممارسة قادرة على احتواء بعض المظاهرة السلبية، من خلال توظيف تلك الاحتفالات الشعبية بطريقة مناسبة، لاحتضان الممارسات الشاذة، والعمل على استبدالها بمفردات ثقافية إيجابية، وبالتالي القضاء على المفردات ”السامة“، واستبدالها ممارسات ”شافية“ على الصعيد الاجتماعي.

كاتب صحفي