آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

إيحاءات قرآنية.. الانحياز للفطرة

السيد أمير كاظم العلي

أبواب التوبة والرحمة الإلهيّة مشرعة باستمرار، والدعوة إلى الدخول في رحابها مفتوحة، وقد هيّأ الله سبحانه لعباده كلّ أسباب العودة إليه، والاستظلال بظلال نعمه الوافرة، وبيّن لهم ما فيه مصلحتهم، وما يحصلون به على خير الدنيا والآخرة. وإن أخطأوا الطريق، وغفلوا عن سرّ سعادتهم، أو تورّطوا في بعض خطوات الشقاء، فإنّ الله لا يقطع أمامهم سبيل الرجوع حين يريدون.

ولكن في مقابل هذا الدعوة الرحمانيّة الدائمة تقف دعوات أخرى، تريد من الإنسان أن يغرق في مستنقعات الرذيلة، وأن يمعن في الابتعاد عن هداية الفطرة والوحيّ، ولا تكتفي منه بلحظة غفلة أو خطوة انحراف واحدة، بل تحمل هدفًا أكبر، هو أن يخسر الإنسان نفسه، ويضيع حقيقته، ويظلّ تائهًا في اللا معنى!

والمفارقة الغريبة هنا هي أنّ بعض النّاس يتخيّل أنّ الشيطان تخلّى عن دوره في الإضلال، أو أعرض عن استراتيجيته الإغوائية التي أعلنها منذ خلق الإنسان، واصطفائه خليفة لله تعالى من بين سائر المخلوقات. كلّا؛ إنّ الشيطان والمنخدعين به، المتحوّلين إلى أبالسة، واللاهثين وراء شهواتهم لا يزالون يريدون تحويل الإنسان إلى كائن بهيميّ، لا ينتهي من السعي وراء إرواء غرائزه الحيوانيّة، دون جدوى.

نعم؛ إنّنا نرى اليوم كيف تغوّلت دعوات الفساد، وهيمنت شبكاتها على كلّ مفاصل الحياة المعاصرة، من الإعلام الذي يلاحق المشاهد بصور العري ومقاطع الابتذال، حتّى لا يكاد يسلم أحد من نظرة ملوّثة، إلى الاقتصاد الذي رجّح فيه المتاجرون وأصحاب رؤوس الأموال الربح على كلّ القيم الإنسانيّة، وصولًا إلى التعليم، حيث تُقرّر فيه مناهج تفتح عيون الناشئة على مكامن الغرائز والشهوات منذ الصغر، في مغامرة خطيرة باسم التثقيف الإعداد المسبق، ومرورًا بما يسمّى بمنظومات حقوق الإنسان، التي كأنّها جعلت الحقّ الأوّل هو ممارسة الإنسان لكلّ ما يشتهيه، دون قيد ولا حدّ؛ فمن إباحة العلاقات بين الجنسين، إلى تشريع المثل - يّة والشذوذ، ومضايقة مناهضيها، وقد نشأت أخيرًا جماعات مريضة باشتهاء الأطفال، ولعلّه يأتي وقت نجد فيه حماية لهم، أو لغيرهم ممّن يتدرّجون في سلالم الانحطاط، ومهاوي الضياع البشريّ السحيق!

هكذا يضعنا القرآن الكريم إذن، أمام دعوتين متقابلتين، لننحاز إلى المنسجم مع نداء الفطرة منهما، ونقتنع بضرورة التديّن واتّباع الهدي الإلهيّ، إذا أردنا أن نحافظ على إنسانيّتنا، ونحرسها من غارات العابثين.

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - سورة النساء؛ 27.